آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

«الوالدية» وأطوار العلاقة المقدسة

سلمى بوخمسين صحيفة الرأي السعودي

يصل كل منا إلى هذا العالم فتتلقفه أذرع والديه، تغمره بالحب والرعاية وتبقى ممدودةً له ما بقي في دار الدنيا، لتشكل بذلك علاقته البشرية الأولى والأهم والأدوم، والتي ستحدد - وحدها وبعيدًا عن كل العوامل الأخرى - أبرز صفاته ومستقبله.

ورغم ظن البعض أنها علاقة فطرية عفوية بالكامل، لكن الحقيقة أن لها قواعد وأسسًا تضمن نجاحها واستمرارها، ورد في الأثر «لاعبه سبعًا وأدّبه سبعًا وصاحبه سبعًا ثم اترك حبله على غاربه» لتؤسس المقولة بهذه الكلمات المختزلة نظرية أطوار العلاقة المقدسة والتي نحن بشأن تفصيلها الآن.

من البديهيات لدينا جميعًا، أن الأدوار تتغير وتتبدل داخل علاقة «الوالدية» حسب المرحلة العمرية للطرفين، إلا أن هذه المعرفة لم تمنع إخفاق البعض في لعب الدور المناسب للمرحلة، لذلك ولمزيد من الإيضاح سنشبه تلك الأطوار في انعكاسها وتعاقبها بأطوار القمر، فطور المحاق الأول مثلًا يدل على اعتماد الطفل كليًا على والديه، بينما يقل ذلك الاعتماد ويستبدل ببعض الواجبات والمهام خلال رحلة النمو، انتقالًا من الطفولة إلى النضج التام، حيث يصل المرء إلى مرحلة العلاقة الذهبية أو طور البدر، حين يستقل الطرفان ماديًا عن بعضهما البعض، ويبقى الجانب المعنوي والعاطفي متجليًا في علاقة وصل حميمة خالية من الاتكال أو الاحتياج، إلا أن هذه المرحلة - وإن طالت - فإنها لن تدوم وستليها مرحلة انتقال الأدوار، فيبدأ الأبناء رحلة جديدة من تقديم الرعاية المطلوبة للوالدين وصولًا إلى مرحلة المحاق الأخير، حين يعتمد الوالدان على الأبناء بالكامل.

على ضوء وضوح الأدوار هذا، يمكن بسهولة تشخيص الخلل في علاقةٍ ما، فاعتماد الأبناء البالغين على الوالدين ماديًا مثلًا أو الاتكال على الوالدين لتقديم الخدمات والرعاية حتى سن متقدمة، هو نموذج لعطب ينقلنا من القداسة إلى الاستغلال.

في حين أن لعب الوالدين دورًا سلطويًا أبويًا صارمًا مع الأبناء الراشدين هو نموذج آخر، قد يبرز الخلل في مراحل مبكرة من العلاقة في صورة الدلال المفرط أو الشدة المفرطة، والتي هي في واقعها مخالفة النسبة السليمة للتبادل المنفعي داخل العلاقة.

المشكلة هنا، أن نماذج الخلل أعلاه ستؤثر بشكل مباشر على رابطة الحب أو الجانب المعنوي من العلاقة، لذلك فإن واجبنا جميعًا أن نتأكد من لعب الدور المناسب للطور المناسب.