آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 4:17 م

قلق الحرية الفردية

رجاء البوعلي * صحيفة الرأي السعودي

القلق من الحرية الفردية يعني الشك في الفرد، بينما الثقة في الجماعة، فعندما نحاول فهم الفردانية سنجدها ظاهرة في مشهد شخص اختار مساره بقرارٍ ذاتي، وترك جماعات الجماهير التي تهتف مرة حول أرض الملعب الرياضي، وأخرى عند شارع ثوري سياسي، وثالثة عند مبنى للتعبد الديني، ورابعة في احتفال غنائي هائل الحضور والفخامة، وخامسة.. وسادسة.. فكل هذه التمثلات برغم تعدد مشاربها إلا أنها لا تُقلق الإنسان كما تفعل الفردانية، لماذا؟ أيهما أعقل شخص يفكر ويطرح سؤاله أم جماعة تهتف على الملأ؟ أيهما سيقبل التخطئة والمراجعة لقوله وفعله الفرد أم الجماعة؟ سأدع الإجابة حرة في ضمير القارئ، لأني مؤمنة بشفافيته أثناء التفكير الانفرادي أكثر منه في حالته الجماعية مع بقية الأصدقاء والحلفاء.

ثم نسأل: هل عملنا على صناعة الفرد أم تركناه سبيلاً لتعاقب القوى المؤثرة في المجتمع؟ لن تنفعنا محاولة الهروب من مواجهة الواقع، فأول خطوات العلاج هي الاعتراف بالمرض ومواجهته.

إن الفرد - ككيان مستقل - مُهملٌ بشدة في مجتمعنا، فالمؤسسات التربوية التي تتلقى الإنسان منذ طفولته اعتادت على الإسهاب في ترسيخ ثقافة الجماعة، وللفرد الطاعة والانصياع أكثر من بناء الذات الحرة بداخله، لتصبح أول المرجعيات التي يعود لها عند الحاجة، والنتيجة كما نرى، تماهي الفرد في فوج الجماعة حتى انصهر فيها إلى أن تلاشى دوره وأثره.

إذا لدينا شك في هذا الأمر، لنفصله عن المرجعيات الخارجية التي اعتاد على الرجوع إليها، ماذا سنرى؟

هشاشة النسيج الثقافي للفرد، بسبب انعدام الحرية الفكرية وضعف الشخصية، فالقوة دائماً مستمدة من وجود الآخر، فكيف يمكن للفرد أن يكون انتقائيًا في حين أنه لم يعتد على انتقاء الأفكار والقناعات التي تُسيّر حياته، كم هو مؤلمٌ أن يقف أحدهم في عقده الرابع وقد استعصى عليه الفصل في أمر بسيط، يمكن لطفل أن يحسمه بإجابة مختصرة موضوعية.

إن الحرية الفردية هي الداعم الأساسي من أجل بناء مستقبل أكثر جدارة - خاصة - عندما ترتفع أو تتغير القوانين والأنظمة السائدة والمفروضة على الإنسان.