نفس المکان وفي كل زمان، «نوستالجيا» الزمن الجميل
قبل أيام تابع عشاق الفنان البحريني خالد الشيخ - بشغف - حفله المقام بعد أعوام طويلة من الغياب، الحفل الذي تحمِلُنا كُلُ أغنياته على أجنحة من الدفء والحنين، إلا أن أغنية بعينها تفوقت على البقية حتى لم يستطع الفنان نفسه مقاومتها، فاستعبر وأطلق دموعه واستعبرنا جميعًا معه، فليس هناك أقوى من منظر ذلك الكهل المعجون بالشوق والشجن والأغنيات وهو يهتز ويمسح دموعه بطرف «شماغه» بينما تكمل الفرقة والكورال رحلتنا العابرة للزمن وتلقي بنا في نهاية التسعينيات، فنقف على أطلال حقبة ذهبية من الفن الخالص والفلكلور والهوية الخليجية الأصيلة والتي أسدل عليها الستار الآن.
استوقفتني حالة «النوستالجيا» العميقة التي غبت بكل مفرداتها، الزمن الجميل، أيام الطيبين وغيرها. تعجبت كيف ننجح دائمًا في إسباغ النظرة الجمالية على الماضي رغم ما يسكنه من ذكريات الوجع والفقد والصعاب، ألم تكن بعض تلك السنين مؤثثة بالخيبة والتغريبات والحروب، كيف «نفلتر» كل ذلك فنتذكر الجمال إذا، الجمال فقط.
العجيب أننا نهب المستقبل الحسن ذاته فنتخيله سعيدًا متخففًا من المسؤوليات والهموم، في الحقيقة لقد أدركت كنه هذه الممارسة النفسية العميقة، نحن نهرب من مواجهة الواقع، نتخاذل أمام اقتناصه، نفشل في تذوق لحظاته، حلوها ومرها، مكتفين بوهم ماضٍ جميل ومستقبل أجمل.
أليس علينا - عوضًا عن ذلك - أن نعيش هنا والآن؟ أن نمتلك اللحظة، أليست هذه الصعاب التي نخوضها اليوم هي ذاتها ذكرياتنا الجميلة غدًا؟ ساعات استذكار الدروس مع أطفالنا، تعليمهم الحروف والهجاء، ألن نذرف دمعة باردة غدًا حين نتذكر ذلك بعد أن نزفهم إلى أعمالهم؟ مناوبتنا الليلية الشاقة هذه أليست مصدر فخرنا غدًا؟ فنحن عماد هذا الوطن ونحن من يبنيه بسواعدنا.
الخلاصة.. خلق الجمال لعبتنا، لنلعبها هنا والآن، ولنمتلك اللحظة.