التعايشُ في المجتمعِ السعوديِ
الدراسةُ الاستطلاعيةُ التي نفذها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني عام 2017م ونشرها تحت عنوان «التعايش في المجتمع السعودي» لم تنل نصيبها من الانتشار والدراسة والتحليل، على الرغم من كونها الدراسة المسحية الأولى المتعلقة بواقع التعايش الاجتماعي بين مختلف الأطياف المذهبية، التي تشكل المجتمع السعودي ومدى تقبل بعضهم لبعضهم الآخر.
الدراسة التي اعتمدت على منهجية المسح الاجتماعي ركزت على عينات مختارة، شملت 3144 مبحوثًا من الجنسين ممن هم أكبر من 15 عامًا في أربع مناطق رئيسة، هي: مكة المكرمة والمنطقة الشرقية ونجران والمدينة المنورة. ومن الواضح أن هذه المناطق لا يمكنها أن تمثل المجتمع السعودي، حيث إنها تتميز تاريخيًا بشكل طبيعي بمستوى عالٍ من الانفتاح والتعايش بين ساكنيها من أتباع مختلف المذاهب.
ركزت الدراسةُ على موضوع الاختلاف المذهبي لكونه أحد عناصر التمايز البارزة بين مكونات المجتمع السعودي، ولكنه ليس العنصر الوحيد الذي يمكن أن يلامس موضوع التعايش بين المواطنين، فهناك عوامل أخرى شبيهة كالقبلية والمناطقية وغيرها.
وبينت نتائج الدراسة موافقة أغلب أفراد العينة المبحوثة، بأن لديهم استعدادًا لبناء علاقة تعايش وتواصل مع الآخر المختلف مذهبيًا بمتوسط حسابي «3,86»، مع انقسام حول أكل الذبائح والصلاة خلف شخص مختلف مذهبيًا، أما من ناحية المعتقدات المذهبية للآخر، فقد كان هناك احترام لها من قبل المبحوثين «3,98»، وقبول أقل لوجود أماكن العبادة والدفن في نفس المقابر.
وكشفت الدراسة عن ضعف واضح في القبول من المصاهرة مع المختلف مذهبيًا «2,5»، بينما حقق عنصر مستوى التواصل الاجتماعي مع المختلفين مذهبيًا قبولًا أكبر «3,86» وتوافقا عاليا حول عدم بناء العلاقة على أساس مذهبي «3,84»، وحق المختلف مذهبيًا في ممارسة العبادة في الأماكن العامة «3,69»، وجاء التوافق في مجال تبادل المنافع الاقتصادية عاليا «4,01»، وكذلك في مجال التعامل الفكري مع الآخر «3,92».
ويتفق أفراد العينة بمستوى عالٍ، على أن بعض البرامج الإعلامية أسهمت في زرع الفتن بين أصحاب المذاهب المختلفة «4,01»، ويقفون على الحياد حيال دور وسائل الإعلام في خلق قنوات اتصال بين أطراف المذاهب المختلفة في المجتمع «3,19».
الجانب المهم في الدراسة أيضًا هو اشتمالها على عدد من التوصيات العملية حول مسؤولية الإعلام في تعزيز التعايش الاجتماعي، ومسؤولية مؤسسات المجتمع المدني في هذا المجال، غاب عن الدراسة دور الجهات الرسمية في وضع التشريعات المناسبة وإلزامها كقانون الوحدة الوطنية، ومكافحة التمييز، والدراسة تعتبر من الدراسات الاجتماعية المهمة للغاية والتي من المفترض أن تفتح الباب أمام دراسات مسحية وعلمية أكثر شمولية في هذا المجال.