«ولّوا أمرهم امرأة»
في البدء، أود أن أقول: إن السياسة لا تستهويني، ولا أتابع نشرات الأخبار، لكن الشمس حين تسطع يصل ضياؤها إلى كل مكان ويصعب تجنبها.
قبل أيام وحين فُجِعْنَا بالحادثة الإرهابية على المسجدين في نيوزيلندا، توجهت أنظار العالم إلى التعاطي الحكيم لرئيسة الوزراء جاسيندا أردين مع الأحداث الحالكة، فقد استطاعت باختيار كلماتها وتعبيراتها الصادقة ومواقفها أن تخبر الجميع أن بلادها تجسد أعلى معايير التآخي والإنسانية والتسامح، وهي بذلك لم تتجاوز فقط أزمتها الداخلية، بل تحولت إلى رمز وكسبت احترام الجميع.
قبل عام حين كنا مشغولىن بملاحقة الكرة في مباريات كأس العالم، خطفت الأنظار سيدة أخرى، رئيسة الوزراء الكرواتية كوليندا كيتاروفيتش، التي وصلت إلى روسيا برحلة سياحية على نفقتها الخاصة، لتجلس بكل بساطة بين الجماهير، لم تنجح فقط في رفع جماهيرية منتخب بلادها الذي وصل بالفعل إلى المباراة النهائية، بل حولت هزيمته إلى فوز معنوي، حين تلقفت بحضن «أمومي» حنون لاعبيها المهزومين.
لم ننسَ أيضًا الدموع التي سكبها الشعب التشيلي، مودعًا رئيسة الوزراء ميشيل باشيليت في يوم مغادرتها لمنصبها بعد دورة حكمها الثانية والتي فازت فيها بأغلبية أصوات كاسحة، بعد أن أثبتت جدارتها بهذا المنصب في دورة حكمها الأولى.
في الحقيقة، لا يمكننا حصر الأسماء النسائية المعاصرة التي أبهرت العالم حين أمسكت بدفة الحكم، فبين حليمة يعقوب رئيسة وزراء سنغافورة التي قضت على الفساد والبطالة، وأصبح «جواز» بلدها الأغلى في العالم، وبين أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية التي سطرت مواقف مشرفة في أزمة اللاجئين والعديد من القضايا الإنسانية الأخرى.
لا يسعنا اليوم إلا أن نقف إجلالًا لهن ونرفع القبعة ونحطم بعض المفاهيم الموروثة التي تشكك في أهلية النساء لمثل هذه المناصب، بل لعلنا في حاجة لمثل هذه الطاقة الأنثوية الأمومية الناعمة كي نخلق المزيد من التوازن والتناغم ونجابه بها قتامة هذا العالم.