كعكةُ زيتِ الزيتون
حيث كبرت في منزل والدي الدافئ الحنون المكتنز بالفتيات، كان أمرًا تلقائيًا أن نساعد جميعًا والدتي في تحضير المائدة ونتدرج حتى نصل إلى إعداد الطعام. فلدى والدتي طقوس ثابتة بأن تساندنا خطوةً بخطوة ثم تنسحب انسحابًا تكتيكيًا، فتدعنا وحدنا في مواجهة الدقيق والسكر والفرن.
في سن الحادية عشرة تقريبًا وصلت إلى يوم مواجهتي الأول، متسلحةً بورقة المقادير ورأس ممتلئ بالنصائح والتعليمات. اخترت أن يكون طبقي الأول قالبًا من الكعك. ظننت أنني أحسنت صنعًا والتزمت بالوصفة بحذافيرها. بعد خمس وأربعين دقيقة حانت ساعة الحقيقة، فقدمت كعكتي للجنة الحكم المكونة من أمي وأخواتي. بالطبع صدر الحكم المبدئي بالنظر وتأكد بعد أول قضمة.
فبعد التدقيق والمراجعة دخلت أخواتي في نوبة من الضحك حين تبين لهم استبدالي زيت الطهي النباتي بزيت الزيتون. ما هي إلا دقائق حتى اقتحم والدي مطبخنا، ليتأمل صغيرته المحرجة بجديلتين «منكوشتين» وملابس يعلوها الطحين. فيحول بكلمات بسيطة «قتامة» المشهد إلى احتفالية مبهجة، فبالنسبة له ليس للطعم أي قيمة، يكفيه أن إحدى صغيراته اعتمدت على نفسها وأتمت المهمة الصعبة.
تناول والدي الكعكة كما تناول عبر سنوات العديد من الأطباق المحروقة والمالحة وغيرها. مرت أعوام طويلة وأنا ما أزال أشعر بلمسة الحنان تلك وأتكئ على دعمه الرائع منقطع النظير. مازلت أيضًا أتعلم المقادير الصحيحة للتربية، فبينما تُحمّل صغارك المسؤولية وتعدّهم لحياة الاستقلالية ومغادرة العش، لا تنس أن تمنحهم كل الثقة وأن تغلف الإرشاد والتوجيه والنقد بطبقات من الدعم والحنان والحب. لا تقسُ فتنهكهم بصرامتك، ولا تَمِل كل الميل فتغرق أجنحتهم بدلالك، عندها حتمًا سيعجزون عن التحليق.
قد لا أكون نجحت في تحضير كعكتي لكن والدي حتمًا نجح، فإن لم أفتتح سلسلة مطاعم شهيرة اليوم، فأنا بكل تأكيد أعرف طريقي داخل المطبخ.