أطفالنا لا يجيدون القراءة، فهل نحن مقصرون؟
في السنوات الأخيرة لوحظ بشكل ملفت بأن مشكلة القراءة الصحيحة لدى الطلاب الصغار «وكبروا عليها» أصبحت مشكلة حقيقية وعائق كبير لديهم عن المشاركة والتحدث بلباقة في المحافل المختلفة، فضلاً عن الابداع في عالم الفن والإلقاء الإنشاد والكتابة والتعبير والتمثيل، وصولاً إلى عدم القدرة على تلاوة القرآن الذي خصنا الله به عن باقي الأمم والحضارات وشرفنا به،،
وبنظري يرجع ذلك لاسباب عدة:
- منها ما هو متعلق بالتعليم بعد أن ألغيت مواد الإملاء والتعبير والخط في المرحلة الإبتدائية وهي مرحلة تأسيسية مهمة جداً، حيث كان لتدريس تلك المواد الأثر الجيد في تعلم وممارسة اللغة العربية، قراءة وكتابة وإملاء، وما تبعها من استفادة في مجال جماليات ما يقدم في الإذاعة المدرسية وصقل موهبة الإلقاء والتقديم.
- منها ما هو متعلق بانصراف صغارنا الى عالم التكنولوجية الرقمية بلغته الإنجليزية بشكل قوي جداً وتأثير ذلك على نمط حياتنا كأفراد وأسر وأصبحت حتى التحايا نتبادلها باللغة الانجليزية، بل وأن كثير من أسرنا همهم تعلم الأبناء اللغة الانجليزية على حساب تعلمهم للغة العربية ليكونوا - برأيهم - اكثر مواكبة للعصر لأن الانجليزية هي لغة العصر.
- تقصير مؤسساتنا التعليمية «الخاصة» في جعل تعلم وممارسة اللغة العربية «قراءة وكتابة وتخاطب» شيء أصيل متأصل في موادها وبرامجها لغرسها في نفوس الصغار، وأصبح التنافس بينها على تعليم اللغة الإنجليزية بقوة واقتدار.. منذ الصغر واستبدالها بالتفاضل والتمايز بينها بكونها تعلم اللغة الإنجليزية بقدرة فائقة «قراءة وكتابة وتخاطب».
- وأخيراً تقصيرنا في تعويد أطفالنا على تلاوة القرآن الكريم والذي بتلاوته نتعلم كيف نقوم اللسان ونقرأ بشكل صحيح وجميل، فالقرآن خير معلم لكننا بالحق مقصرين معه وبعيدين عن فؤائده الجمة - هدانا الله - ”ألا بذكر الله تطمئن القلوب“..
ظاهرة اصبحنا نلحظها كثيراً بين صغارنا الذين لا ذنب لهم سوى أننا لم نعي كون هذا الأمر سيخلق لهم حاجزاً نفسياً عن المشاركة في شتى فنون الأدب العربي، وفنون التقديم والإلقاء والتمثيل، ويبعدهم عن أجواء التنافس والمشاركة في المسابقات والمهرجانات الإلقائية والتعبيرية المختلفة،، ولذا نرى أولادنا يشعرون بالخجل حين تدعوه لإلقاء كلمة أو قراءة قرآن، او تقديم انشودة، فيرد عليك بالسلب - أنا لا أعرف القراءة -!!، أو إذا كان متحفزاً للمشاركة وبدأ بالقراءة سمعت منه العجب العجاب من الأخطاء الغير معقولة من طالب في الصف الخامس او السادس الابتدائي، والجرح ممتد الى ما فوق هذه الصفوف ايضاً سواء متوسطة او ثانوية او حتى جامعية في بعض الحالات..
وهنا تعظم المسؤولية الملقاة على عاتقنا جميعاً، كيف أغفلنا أهمية تعليم لغتنا العربية وتطوير أساليب تعليمها، وجعلها لغة محبوبة وقريبة من وجدان الصغار يتسابقون على تعلمها فضلاً عن استخدامها في حياتهم اليومية..!!
للأسف جعلنا فن التعبير والكتابة والقراءة والإملاء مهارات مغيبة في حياتنا بدلا من جعلها أسلوب حياة، وأصبح اطفالنا لا يحسنون القراءة وهم أبناء أمة القرآن العظيم معجزة النبي الكريم ﷺ الذي حدثه المولى العظيم بأن يا محمد ”إقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * إقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان مالم يعلم“.
كيف السبيل ولو بالقليل:
إذاً أيها الأحبة لابد لنا أن نكون في موقع المسؤولية كمعلمين ومربين وأسر بأن نخلق لنا مسببات وبدائل تعين الأبناء على العودة الى لغتنا الجميلة للتحدث بها، وقراءتها بأصواتهم الجميلة، وتوطيد علاقتهم بها، وأن يكونوا من المتحدثين بكلماتها السهلة اليسيرة الجامعة..
كما أدعو أحبتي إلى عدة أمور قد تعيينا على استعادة جزء كبير من سبل الممارسة لفن القراءة والكتابة والتعبير:
- أن ننشئ في منازلنا مكتباتنا الخاصة، ونشجع أسرنا على القراءة الفردية والجماعية.
- أن تعمم الفكرة على المساجد والأندية وكافة المراكز الاجتماعية لتخصيص ركن للمكتبة، تفتح أبوابها ويكون لأئمتها ومسؤوليها وإدارييها دور في حث المجتمع والطبقة المثقفة والمتخصصين على المشاركة في تشغيلها وترغيب الجمهور لارتيادها. «وباعتقادي بأنه لا تخلو مدينة أو حي من وجود معلمين ومربين في اللغة العربية أو أمناء مكتبات ونشطاء وأدباء لديهم القدرة والإمكانية للتصدي لهكذا مشاريع اجتماعية عظيمة تنشىء جيلاً معرفياً ومثقفاً».
- أن ننشىء في محيطنا الاجتماعي المناشط القرائية والإنشادية والإلقائية والتمثيلية التي تصقل خطوات التعلم والتدرب السابقة لأبنائنا الصغار، فكل علم بلا ممارسة سيكون عبثاً.
- كما ادعوا الى تأسيس معاهد للغة العربية، تقدم دروساً ودورات في اللغة العربية تحدثاً وكتابة، تكون في مرحلتها الأولى تقوية الصغار وصولاً الى تعليم مجمل التخصصات الفرعية للغة العربية كالأدب بعلومه النثرية والشعرية وعلوم البلاغة.
وختاماً أدعو الجميع إلى استغلال كل مناسبة انسانية واجتماعية ودينية لتحريك رواكد مياهنا وطاقاتنا وتشجيعها في شتى المحافل والأماكن وأخص بها: ”المساجد، والأندية الرياضية والثقافية والتعليمية، والمدارس، ورياض الأطفال، والجمعيات وأمثالها“، حيث لديهم المساحة الأرحب لعمل برامج يشارك فيها أبناءنا الصغار، وإشراكهم في المناسبات المتنوعة الدينية والإجتماعية والإحتفالية والإنسانية والرياضية وغيرها.