هذا ما وجدنا!
سعيدةً بلوحتي الجديدة الرائعة، سارعت وعلقتها في صدر الصالة ورحت أتأملها بإعجاب. لحظات حتى أدركت أن هناك عيبًا جماليًا بين مقاسات اللوحة وبين مقاس الإطار «الجبسي» المحيط بها، ولتفادي ذلك العيب وخلق تناسق هندسي كان لابد من إضافة عملين فنيين آخرين ذات اليمين وذات الشمال، طلبت من الفنانة تحضير لوحتين جديدتين حتى تتكامل التحفة الفنية، ووعدتني أنها ستنجزهما في أقرب فرصة.
مرت الأيام والشهور وهذه الفرصة الموعودة لم تأتِ، وفي كل يوم كنت أمر بالقرب من اللوحة وكان عدم التوازن يستفزني، بعد مدة توقف عن استفزازي ثم تعودته ثم استسغته ثم نسيت أمره تمامًا.
قبل شهر زارتني أختي المغتربة وبعد نظرة واحدة للجدار أشارت للعيب الهندسي الذي كان جليًا جدًا بالنسبة لها غائبًا جدًا بالنسبة لي. لوهلة كنت سأستنكر رأيها حتى تذكرت أن هذا رأيي أيضًا قبل أن يعميه التعود.
ذلك الموقف البسيط جعلني أفكر: كم عيبًا آخر في حياتنا أعماه التعود وهل نتجاوز التعود وصولًا إلى الاستحسان؟ أم ترانا نصل إلى ما هو أبعد فنستقبح كل ما يخالف ما اعتدنا عليه؟ إن كانت شهورٌ معدودة كفيلة بأن تعميني فماذا ستفعل مئات السنين من توارث العادات والتقاليد! بعض البدو مثلًا يجد العار كل العار في كشف المرأة وجهها حتى لزوجها، على النقيض يجد الطوارق العار في كشف الرجل لملامحه، وعلى هذا المنوال نوزع العيب والعار والقبح والحسن والمنكر والمستساغ لا على الصواب ولا المنطق ولا حتى الفطرة، بل إن مسطرتنا الوحيدة هي عاداتنا وتقاليدنا.
فيما مضى كانت المجتمعات تعيش داخل أسوار عالية سعيدةً ومتصالحةً مع العمى، لكن اليوم هُدمت الأسوار وتسللت أشعة النور للجميع، من المتوقع أن فتح العينين للمرة الأولى مؤلم جدًا، لكن المؤكد أن الإبصار أجمل بكثير من العمى.