«المعاقون» أبناءُ الوطن
لازالت السماءُ متخمةً بالغيوم لكنها لم تمطر، عاهدت نفسي أن أقطع الطريق البري لوحدي لأول مرة، فلو استسلمت لظروف المكان لن ألتقي أولئك المعاقين ولن ألامس معاناتهم.
وصلت، وقد انفتح بابُ السماء فهطل المطر. زيارتي الأولى لمركز «إيلاف» متخصص في رعاية وتأهيل الأطفال المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة بصفوى - شرق السعودية - تحت إشراف الأستاذة «عالية آل فريد»
برفقة المشرفة التربوية «خضراء الزاكي» دخلت صفوفًا منظمة ومجهزة بالأركان الأساسية لأطفال الإعاقة، تعرفت عبر الأخصائيات على الحالات المرضية، ورأيت رأي العين جودة الخدمة والرعاية المتميزة من أجل مساعدة الطفل على تعليم مهارات الحياة، ليكون مؤهلًا لمواجهتها لوحده بعد خروجه من هذا المبنى التأهيلي الحميم.
لاطفتُ الأطفال المصابين ببعض الإعاقات الحركية ومتلازمة «داون» والتوحد، وتعرفت - عن قرب - على درجات الإصابة المتفاوتة بينهم، واقتحمت قاعات الخدمات المساندة كالتخاطب والنطق والعلاج الوظيفي والسلوكي والطبيعي، وشهدت بنفسي محبةَ الأطفال بمختلف إعاقاتهم واحتياجاتهم لهؤلاء الأكاديميات المتخصصات من الكفاءات المحلية الوطنية.
إنه مشهدٌ حميمٌ مؤثرٌ عندما يقفز طفل التوحد ليحضن المشرفة، فتظل حاضنةً له طيلة حديثها معي عن أساليب التعليم والتأهيل المتبعة لمثل حالاته.
استوقفني فصلُ التأهيل المهني، يجمع إناثًا من سن 14 إلى 45 عامًا، بعضهن مصابات بالتخلف العقلي، يسودهن الهدوء والانضباط والألفة التي احتفت بي عبر عيونهن المبتسمة أثناء تعرفي على إنجازاتهن من منسوجات قماشية وطباعية وتحفٍ حرفيةٍ ولوحٍ فنية.
مع التقدم العلمي تطورت رعاية هذه الشريحة الوطنية، وهذه المشروعات، برغم نجاحها، إلا أنها بحاجةٍ لتمكينٍ أكثر لرفع طاقتها الاستيعابية، وضمن تحقيق رؤية 2030 تجدد طموح المواطن الفاعل في دور المقام السامي الكبير ودعمه لهذه المشروعات الوطنية الإنسانية، راجيًا أن تتصدر وزارة العمل والتنمية الاجتماعية دعم القائمين عليها، بمنحهم المباني المخصصة والمهيأة، وإلغاء عبء المباني المستأجرة التي لطالما أرهقت رب العمل ووضعته في مآزق أمام تطبيق الاشتراطات الوزارية.
«صفية» طفلة الإعاقة الحركية، دخلت صفها فأدارت رأسها وظلت تطالعني، فرِحة جدًا ثم ودعتني وهي خارجة من المركز، فشكرًا لابتسامتها فقد منحتني أملًا جديدًا في الحياة.