خُذِ الفنَّ
قبلَ أيامٍ كنتُ وصويحباتي في رحلةٍ قصيرةٍ لدولة الكويت الشقيقة، نشارك أخوتنا احتفالاتهم بعيدهم الوطني، ونتلذذ بآخرَ أيامِ شتاء خليجنا الدافئ. وإثراءً لتلك الزيارة الجميلة كان لابد أن ندلل أنفسنا بحضور إحدى ليالي «هلا فبراير الفنية الخلابة»، حيث وقعَ اختيارُنا على «البُلبُلين» أنغام وحسين الجسمي. كنتُ أروي تفاصيل تلك الليلة الساحرة وتحليقَنا مع صوت الناي والقانون والعود وروعة الفن الشاعري الوجداني الأصيل، وأسهب في وصف حلاوة المنتج الفني المتكامل الذي قدمه الفنانان لبعض الأصدقاء، لأتفاجأ بردات فعل تهمل المنتج تمامًا وتناقش القرارات الشخصية للفنانين!
توقفت لوهلة أتأملُ هذا السلوكَ الدارج من «شخصنة» المنتج سواء كان فنيًا أو أدبيًا أو غيره.
تذكرت على سبيل المثال الشكوى التي قدمتها بعضُ أمهات الطلبة لإدارة مدرسة بعد معرفتهن أن معلمة بناتهن تعمل كمصففة شعر في مشروعها العائلي بعد ساعات الدوام! بغض النظر عن مشروعية عملها في وقتها الخاص من عدمه ودون التطرق لسفاهة حكمهن على طبيعة هذا العمل، فإن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الشكوى ليس لها أي علاقة بالمنتج المطلوب من هذه المعلمة وهي مهارتها في التدريس وضبط الصف مثلًا.
أظنُ أننا غالبًا ما نقع في مثل هذه الزلة، حين لا نفصل بين الفنانِ وفنِه، بين الكاتبِ وكتبِه وبين العالمِ وعلمِه. هل عليّ ألا أضحك مع أفلام روبن ويليامز لأن حياته انتهت كنتيجة لإصابته بأحد أمراض الاكتئاب! هل ألقي بكتب «همنغواي» في القمامة لأنه قال في أحدها: «العالمُ مكانٌ رائعٌ للغاية ويجب أن نقاتل من أجله» ثم ناقض ذلك تمامًا برصاصة أطلقها لتخترق جمجمته! هل أصم أذني عن رائعات بيتهوفن لأنه هو شخصيًا لم يسمعها! أم أنّه ليس لي إلا تقييم المنتج ما لم يرتبط إنتاجه بانتهاكات أخلاقية أو إنسانية كعمالة الأطفال أو السخرة.
يقول المثل: خذ الحكمة من أفواه المجانين ولم يقل من أفواه الحكماء.