آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

تنمية الدخل وترشيد الإنفاق: حسن الإدارة والتدبير

الشيخ حسن الصفار *

هناك صنفٌ من الناس بعيدون عن التفكير في الموازنة بين دخلهم المالي ومستوى الإنفاق، إنّ أكثر العائلات لا تضع ميزانية تراعي التوازن بين الدخل والصرف، ويجري من خلالها تحديد مقدار الصرف على كلّ بندٍ من بنود المعيشة، من المأكل والمشرب، والملابس والمواصلات والترفيه، حيث تجتاح مجتمعاتنا نزعة استهلاكية شرهة، هي المسؤولة عن سوء الأوضاع الاقتصادية لدى كثير من العائلات، فبعض الناس يذهب إلى السوق دونما هدف محدّد، على أمل أن يرى شيئًا يشتريه!، هكذا تحوّل التسوق إلى هواية ومتعة!.

إنّنا مدعوون إلى إعادة النظر في كثير من عادات الاستهلاك في مجتمعاتنا. خاصة وأنّ بلادنا مقبلة على ظروف اقتصادية صعبة، دفعت حكومات المنطقة إلى إعادة النظر في ميزانياتها وترتيب أولوياتها، نتيجة انهيار أسعار النفط، المورد الاقتصادي الأساس، إلى جانب اشتعال المنطقة بالحروب المدمّرة، التي استنزفت ثروات الشعوب، لصالح صفقات السلاح، والإنفاق السّخي لاستقطاب الحلفاء، ناهيك عن التضخّم الاقتصادي القائم.

إنّ هذه العوامل بأجمعها تفرض على كلّ مواطن أن يعيد النظر في نفقاته المالية، فليس صحيحًا أن يبقى مستوى إنفاق الأسرة اليوم، على ذات القدر الذي كان عليه في الماضي، حين كان الوضع الاقتصادي مختلفًا، فقد تضاعفت الرسوم الحكومية، وزادت أسعار السلع والخدمات، من ماء وكهرباء ووقود، وهذا ما يستوجب ترشيد الإنفاق تبعًا للظروف القائمة، وليس من المعيب أن تجري العائلات إعادة النظر في مستوى الإنفاق، وإنّما الخطأ هو إغفال هذا الأمر. وينبغي أن يجتمع كلّ ربّ أسرة مع أفراد عائلته، ويطلعهم على المستجدات الاقتصادية، التي تستوجب الترشيد، والحدّ من الإنفاق.

وهناك منهج قرآني واضح لإدارة الإنفاق وتدبير المعيشة. حيث يقول تعالى: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا، إنّ مدار الإنفاق يقوم على مدى توفّر القدرة المالية، فمتى ما توفّر المال فلينفق المرء بالحسنى، أمّا إذا ضعفت القدرة المالية، فينبغي أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار، حتى إذا تحسّنت الظروف، وعبرت المنطقة الأزمة الاقتصادية، فلكلّ حادث حديث. وقد ورد عن أمير المؤمنين أنّه قال: ”صلاح العيش التدبير“، وجاء عنه أنّه قال: ”القليل مع التدبير أبقى مع الكثير مع التبذير“.

خطيب وكاتب سعودي «القطيف»