آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 6:06 م

طرد عازف بيانو

سحر أبو شاهين *

نشأت فئة من المجتمع على أن مظاهر الفرح والترفيه وما قد يصاحبها من موسيقى وغيرها، مستهجنة ودليل انشغال بلهو الحديث والغفلة عن الآخرة، واعتبار من يجاهرون بذلك من العصاة المارقين السائرون في طريق جهنم إن لم يثوبوا إلى رشدهم قبل فوات الأوان.

مقابل هذه الصورة يوجد إعلاء كبير من شأن البكاء والمناسبات والفعاليات المصاحبة له وتعظيم قدر المنظمين لها والقائمين عليها، وحيث أن صوت الفئة الثانية أعلى بكثير، إذ يعتبرون أنفسهم في منزلة أرقى من الآخرين الدنيويين، فهم من تمسكوا بالفضيلة وطريق الحق الخالي من أي مظاهر استهتار ولو كانت موسيقى هادئة تخرج من صندوق بيانو صغير، وأقدامهم ستثبت على الصراط في حين سيتساقط البقية من حولهم، فقد نظم هؤلاء ومعهم فئة أخرى ليست مكترثه كثيرا بكون الفعالية حلال أم حرام بقدر رغبتهم في المداهنة والتملق، شنوا هجوما ساحقا على عازف مدينتهم الموهوب والمقهى الذي سيعزف فيه والفتاة التي أعلنت عن الفعالية.. حتى شعر هؤلاء بالتهديد والرعب واعتذروا حتى جف ريقهم ودمعت أعينهم، وألغوا الفعالية وعضوا أصابع الندم لمجرد تفكيرهم في إقامتها.. ولكن هل هذه هي نهاية فعاليات من هذا النوع؟

الترفيه منهج وتوجه واضح للدولة خلال الفترة المقبلة في كل المدن، والقطيف ليست استثناء وليست جزيرة معزولة، وإذا لم تقم فعاليات في القطيف فالدمام والخبر والجبيل والظهران لا تبعد سوى كيلومترات قليلة والكل لديه سيارات ويجيد القيادة رجالا ونساء.

كما أن أهل القطيف وسكانها مثل السكان في أي مجتمع عربي خليجي آخر، لا يختلفون في شيء تقريبا، بينهم الملتزم دينيا وربما المتزمت، وبينهم متوسط الالتزام وبينهم المنفتح... ببساطة مجتمع طبيعي كأي مجتمع آخر، ولكن هذا ما لا تريد فئة محددة الاعتراف به أو قبوله، هذه الفئة لديها صورة خيالية بعيدة عن الواقع للمجتمع القطيفي، صورة تريد فرضها بالقوة على الآخرين، فنشرت الفزع بين الناس ببث رسائل تخوفهم من أن حفلة عزف البيانو هذه ستكون بداية الفساد وانهيار الأسرة وانحلال الأبناء، وأن من لا يستنكر ويستشيط غضبا، شيطان أخرس آثم، ودعمت رسائلها بأحاديث وآيات قرانية من قبيل ”ظهر الفساد في البر والبحر“، مما لا صلة ولا علاقه له بعزف هادئ جميل للموسيقى.

اختيار الطريقة التي يرغب بها المرء في تنشئة أبنائه والترفيه عن نفسه وعنهم حرية شخصية، وليس من حق أحد إلزام الآخرين بنوع الترفيه الذي يختاره، فالبعض يشعر بالسعادة حين يتسوق أو يجلس على شاطيء البحر و”يفصفص لب“ مع استكانة شاي، والبعض الآخر يرى هذا النوع من الترفيه ممل ومثير للضجر، ويرغب في حضور عروض راقصة، وحفلات غنائية وموسيقية. الناس مختلفون إلى أن تقوم الساعة، هذه سنة الحياة، وكلما تقبلنا هذه الاختلافات وتعايشنا معها كلما أصبح مجتمعنا أكثر وعيا وتحضرا.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
صادق السماعيل
[ الدمام ]: 17 / 2 / 2019م - 6:36 ص
طابت أناملك على هذا المقال الجميل لكلى يفهمو المتزمتون دينيا ما كتبتي.
2
أم علي
[ القطيف ]: 17 / 2 / 2019م - 5:08 م
عجبا أصبح ما يقره الدين التزاما وما ينافي الدين رقيا وانفتاحا
والمجتمع فئة ومن يريد مخالفة الدين وبعده العرف والتقليد هو المجتمع
3
ام ساره
[ القطيف ]: 17 / 2 / 2019م - 6:03 م
عزيزتي سحر ليتك لاتدخلي في كلام يدخل في صميم المعتقدات لاتقارني بين اجتماع الحزن المنتشر في المنطقة وانت تعلمين ماهيتها وبين المعازف سواء كنا نحب العزف او لا فارجوك لاتقارني فشتان بين الاثنين
عزيزتي صفحة جهينة ارجو الاتحذفي تعليقي فدعوها ترى صدى مقالها الجميل
صحفية