من أين يبدأ الإصلاح ومن سيقوم به؟
ربما يكون هذا السؤال القديم الجديد كبيراً جداً حتى على بحث أو كتاب فضلاً عن مقال، ولكنني سأحصر الإجابة في زاوية ضيقة جداً كي أسلط عليه ضوءاً أمدتني به ”ندوة التجديد والتقليد في الفكر العربي المعاصر“ من مجلة عالم الفكر الكويتية في عددها 174 «إبريل - يونيو 2018». وكما أسلفت، فإنني اخترت زاوية معينة من زوايا تلك الندوة أراها قريبة وملامسة لواقعنا في السعودية تحديداً، وهي تلك التي تربط الإصلاح والنهضة الشاملة بالإصلاح الديني، بل وترى أنه لابد من البدء بالإصلاح الديني أولاً كي يكون ممهداً لمختلف مجالات الإصلاح الأخرى التي يتطلع إليها المجتمع. وفي هذا السياق، يقول علي الزميع، ”يجب أن لا نهمل قضية التجديد داخل الفكر الديني، فالنهضة الأوروبية قامت - في البداية - على الإصلاح الديني، ليتبعه المعرفي والثقافي، ثم السياسي، وهي تمثل خطوطاً تتقاطع بعضها مع بعض.“ ص 289. ولعلنا - نحن العرب والمسلمين عموما - نشبه الأوروبيين من حيث امتلاكنا لدين سماوي ومن حيث ”هوسنا“ بذلك الدين على حد تعبير محمد الفيلي في ص 264.
ومن هنا رأيت أن هذه الزاوية - البدء بالإصلاح الديني - هي الأقرب لواقعنا العربي والإسلامي من بعض الزوايا الاخرى التي لا توثق الصلة بين الإصلاح الديني وغيره من مجالات الإصلاح الاخرى، فضلاً عن أنها لا تعتقد بضرورة البدء بالإصلاح الديني قبل غيره، والتي يتبناها عدد غير قليل من المفكرين العرب كعلي حرب ومحمد الفيلي. ويؤكد علي الزميع على العلاقة الوثيقة بين الإصلاح الديني وغيره كما يُظهر مدى خطورة الفصل بينهما في قوله، ”ويجب أن يكون لدينا خوف وهوس من علاقة الدين بقضية التجديد، ويتعين ألا نجزع ونجعل هناك مناقضة بين“ التقليد والتجديد ”والدين بشكل رئيسي. ما لم تتحقق مصالحة بين التجديد والدين فلن يكون هناك تجديد، والعكس... سوف يتحول الأمر إلى صراع...“ إلى أن يقول، ”هناك عملية تجديد داخل الفكر الديني تحت اسم“ إحياء الدين ”، أو أياً كان، وهو موازٍ مع الدعوة للتجديد في العالمين العربي والإسلامي، وسوف تتحول هذه الدعوة إلى حروب أهلية على الأرض.“ ص 289.
ولكن هنا يظهر لنا سؤال آخر: من سيقوم بعملية الإصلاح الديني؟
يجيبنا على ذلك حامد الحمود العجلان في الصفحة 313 من الندوة ذاتها بأن ”الإصلاح الديني المنشود لن يأتي من رجال الدين، بل يجب أن تُمارس عليهم ضغوط حتى يستجيبوا باقتراح هذا الإصلاح المنشود، فالتجربة تقول إن رجل الدين إذا لم يقع تحت ضغط من تيارات عدة، شعبية أو سياسية، من أجل التغيير، فلن يبادر هو من تلقاء نفسه. ولعل من المفيد تأمل ما يحدث في السعودية أخيراً، فقد اُفتتح هناك - على سبيل المثال - مركزاً لإعادة تفسير الحديث، وهذا تطور كبير لم يكن يتخيل أحد حصوله لو لم تكن هناك ضغوطاً سياسية، وقس على ذلك موضوع إجازة قيادة المرأة السيارة.“
عندما يحتاج عامة الشعب إلى عمل شيئ ما، فإنه لابد وأن ينتظر علماء الدين أن يعطوه ”الشرعية“ التي تتيح له القيام بذلك العمل. ولذلك، فإنه لابد للساسة والمثقفين أن يمارسوا دورهم - بكل الوسائل المتاحة والمشروعة كالمطالبة الملحة والكتابة النقدية والمحاسبة الدقيقة مثلاً - في الضغط والدفع بعلماء الدين إلى بذل جهود مضاعفة وسريعة تساعدهم في فهم الدين وفق رؤية جديدة بأدوات حديثة لتمنح للمجتمع مشروعية ما سيقبل عليه من عمل. وبغير ذلك، فإن الشعب لن يظفر بما يريده من رجال الدين وبالتالي فإنه - ربما - سيعيش غريباُ عن عصره أو أنه سيقوم بما يريد القيام به دون أن ينتظر المشروعية من رجال الدين وبالتالي لن يكون في راحة تامة.