كل يرى الناس بعين طبعه
واحدة من أغرب الحكم التي نمر عليها مرور الكرام في حياتنا، دون أن نعي ماهيتها الحقيقية.. هي الحكمة التي تقول ”كل يرى الناس بعين طبعه“..
للتوضيح.. لنفترض أنك تعمل في شركة ما.. وحدث هنالك نقص مالي في الخزينة.. وبدأت تظهر أقاويل أن المحاسب قد يكون اختلس هذه النقود الناقصة.. لكن لم يثبت شيء كون التحقيق لا يزال جاريا ولم يتحدد فيما إذا كان الرجل مذنبا أم لا.. هنا، لو مالت نفسك هنا إلى فكرة أن المحاسب قد اختلس فعلا.. فهذا لا يعني إلا أنك لو كنت في مكانه لاختلست.. ولو مالت نفسك لتبرئته.. فهذا يعني أنك لو كنت مكانه لما اختلست..
وأيضا لو حدث أن رأيت شاب وفتاة في موقف توحي حيثياته بوجود علاقة آثمة بينهما.. لكن بدون تأكيد.. أي أن الموقف يحتمل تفسيرين متضادين.. فمرة أخرى، ما سيترجح في رأسك، والظن الذي سيغلب هو بالضبط ما كنت أنت ستفعله لو كنت في ذات الموقف.. فلو برأتهم فأنت بريء.. ولو أدنتهم فأنت مدان..
من هنا.. كان التعبير القرآني في حادثة الإفك عبقريا فعلا.. قال تعالى وقتها ”لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات «بأنفسهم» خيرا“.. ولم يقل ظنوا بإخوانهم خيرا.. وكأن الله يؤكد لنا أن ما نظنه في الآخرين ليس في الحقيقة سوى ظننا بأنفسنا.. وأن ما يحدث خارج ذواتنا ليس سوى انعكاس لما يحدث داخلها.. وهذا بالضبط ما يثبته لنا الأطفال حين يفسرون أسوأ المواقف بحسن نية وطيبة وبراءة.. لأنه لا يوجد في داخلهم إلا ذلك..
من أجل ذلك.. فالخير الذي تتوسمه في الآخرين ليس غباء أو سذاجة.. بقدر ما هو خير مزروع في داخلك.. والشر الذي تقذف به الناس لتتمايز زورا عنهم.. قد لا يكون في الحقيقة إلا نتاج قبيح أفعالك أنت.. وكل يرى الناس بعين طبعه..