داحس والعذراء
سمعنا جميعا بحرب داحس والغبراء، فداحس فرس تعود ملكيتها إلى قبيلة «عبس»، بينما الغبراء فرس أخرى تقع ضمن ملكية قبيلة «ذبيان». وقد استمرت الحرب أربعون عامًا نتيجة خلاف حدث خلال السباق، إلا أن هناك حرب أخرى أطلقتُ عليها أسم ”داحس والعذراء“، فداحس هذه المرة ليس بفرس وإنما آدميًا، وبوصف أدق هو مجرم و”العذراء“ التي حلت مكان ”الغبراء“ أيضا ليست بفرس وإنما فتاة في عمر الزهور، والمؤسف في الأمر بأن تكون ابنة لداحس ويحكم عليها القدر ان تجد نفسها وسط معركة ضيّعت ملامحها رحى الحرب، فتُصبح على عدو الخيول وصهيلها وتمسي على شهير السيوف وصليلها.
كنتُ أعتقد بأن وجود لجنة الحماية ضد العنف الأسري في وطننا سيكبح من جماح الكائنات البشرية المفترسة، خصوصا أن لجنة الحماية تملك صلاحيات واسعة في توفير مستوى الحماية للمتضررين ومعاقبة المعتدين، إلا أنه مازال من يعيش بيننا من يعتقد بأنه فوق سلطة القانون. ف ”داحس“ رجل ملتحي لا يتأخر عن مواعيد الصلاة ويقوم بالواجبات الاجتماعية على أكمل وجه لكنه في الوقت نفسه مصاص دماء وخير شاهد على ذلك هي ذراع ابنته ورأسها، فذراعها قد توّسمت بالفقاعات وتمّزق جلدها من سكب الماء المغلي عليها لأكثر من مرة، ورأسها الشاهد الآخر الذي شُجّه والدها بآلة حادة، ولم يكتفِ بتثبت جريمته بل قام بسحب ابنته من المدرسة ورميها في غرفتها حتى دعتها الحاجة لطرق باب العيادات النفسية، وكل ذلك لأجل خلاف قد دبّ بينه وبين والدتها التي عانت الأمرين منه، فقبل أن يحدث الطلاق كان يلكمها ويركلها ويقذفها بشكل مستمر حتى أصيبت بمشكلة صحية في حاسة السمع. وما إن حدث الطلاق حتى وضع ابنته كخصم بديل لأمها لعيش معركة جديدة، إلا أن الأم لجأت للمطالبة بحقوقها في المحكمة التي أنصفتها إلى حد ما، حيث إنها لم تستطع أن توفر الحماية لابنتها، حتى أشار عليها ذوي الاختصاص بالتواصل مع لجنة الحماية الأسرية كي ينظروا بأمرهما لتعود بهما الحياة نحو الاستقرار والأمان.
شخصيا، دفعتني والدة الفتاة لتحويل الحالة إلى مقال مقروء كي تصل رسالتها للمجتمع، ولكن أخبرتها بأن ما آلمني ليس حالة العنف التي اعتدت بأن أسمع وأشاهد مثلها بشكلٍ يومي، بل ما آلمني هو تأخر الأم في اللجوء إلى لجنة الحماية الأسرية مبكرا. فبرأيي هذا ما أعطى الذريعة إلى ”داحس“ الاعتقاد بأنه يفوق سلطة القانون، أو يعيش في عصر الجاهلية. وكلي أمل بأن غرز رأس ”العذراء“ سوف تزج ب ”داحس“ إلى ما وراء القضبان. ورجائي لكل من تتعرض أو يتعرض للعنف الأسري بأن يتمرد على صمته ويتواصل مع الرقم المجاني لبلاغات العنف الأسري «1919»، حيث يستقبل البلاغات على مدار 24 ساعة.