آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 12:18 م

الجهل التاريخي والأثر

فاطمة الناصر

تتوجه الشعوب العريقة والتي لها امتداد حضاري متجذر على الأرض التي يقطنها سكانها منذ ملايين السنين أن تستحضر تاريخها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي وتُعرف الأجيال المعاصرة للمنجزات التي حققها أفراد ومجموعات، حيث يقتضي التعريف التاريخي إلى البحوث الدقيقة والمتأملة، إذ أن المادة التاريخية التي حُفظت في العديد من الكتب قد تعرضت للكثير من التلف المتقصد أو الغير متقصد على امتداد الوقت.

لذلك أن يتسم الباحث التاريخي بالموضوعية والحيادية والتجرد من الشخصنة، يمكننا أن نعتبره المحرك للباحث في أي مجال علمي ومن المسلمات البحثية، و ليس كل باحث تتوفر فيه تلك السمات، وقد تكون الدوافع المضمرة بغرض مادي أو شخصي تخرجه من ذلك الإطار الموزون للبحث.

من هنا تمتلئ الكتب بالكثير من المغالطات أو السرديات المبالغ فيها والأقرب للمتخيل هذا من جانب، ومن جانب آخر طمس الحقائق حول الشخصيات التاريخية أو اخفاء هوياتها وتعريفها للأجيال، والأَمرُ من ذلك تهتك المصداقية في النقل والتعريف، وتعويد الجيل الحالي على عدم البحث أو السؤال في سياق التَعلم، مما يخلق لديهم عدم التسامح ورفض ما تم تلقينهم به، لا يختلف الأمر عن التغذية السيئة التي ينتج عنها أضرار على المدى القريب والبعيد، فتقديم التاريخ الملغم بالكثير من شخصيات أو أرقام أو منقولات غير دقيقة أو صحيحة يمكن أن يعكس سلبياته آثاره الوخيمة ليس على الجيل إنما على أجيال قادمة.

ويعتمد بعض الأفراد حين تقديم شخصية تاريخية قيادية على ما لقنوا سواء عن طريق المدرسة أو مواقع التواصل من غير التدقيق والتأمل القائم على البحث، فيعمدون إلى تمجيدها وتعظيمها وضرب المثل بها حين النقاش، ولو أن ذلك الفرد علم قرأ وبحث لتمكن من التسامح مع مغالطاته وتشبثه المستميت بمن لا يستحقون أن ترفع لهم الهامات، ومن أبرزها أدولف هلتر السياسي الألماني النازي الذي تخطى الانسانية ونظر للعالم بفوقية واتصف بالعنصرية " معادات الساميّة" وحين نتطرق إلى الساميّة هم الجماعات التي يعود أصلها إلى غرب آسيا ومنهم العرب، لكن في وقته كانت تختص لليهود، قام هلتر بإبادة جماعية لليهود والغجر وصنف العرب على أنهم " العرق الأخير ما بعد الضفادع", ثم نجد من يتمنى تواجده ليحقق مآرب في نفسه، ولو أدرك أن تواجد هتلر سيشكل عليه وعلى شعوب العرب خطورة لما لحظنا الأمنيات الحمقاء تطلق من غير وعي في مواقع التواصل.

فالبحث التاريخي ليس حكرا على الباحث إنما على الأفراد أيضا ولا ضير للرجوع إليهم إن استشكلتم في موضع ما، هذه الخطوة تمنح الفرد فرصة أن يتسامح في النقاشات التي يدخل من ضمن معطياتها الشخصيات التاريخية المبهمة أو التي أعطيت كما وافرا من التضخيم البطولي، إن تعاطي التاريخ بجهالة في وقتنا الحالي يفرض علينا أن نكون أجيالا من البلهاء المتيقنين، ونحن كشعوب متحضرة لا نرتضيه ونطمح بجيل واعي متسامح مدرك لتلك الحقبات التاريخية.