التفاعل الرمزي
- هل الإنسان مخلوق مجبول على العيش الفرداني؟ أم العيش الجماعي؟!
- هل الله سبحانه خلق الإنسان ليعيش بمفرده وبمعزل عن تفاعلات الحياة؟ أم خلقه ليمارس دوره ويخوض غمار الحياة وسط تجاذبات وتفاعلات؟
- من يصنع من؟! المجتمع من يصنع ويصوغ أفراده؟ أم الأفراد من يصوغون المجتمع؟!
بحسب نظرية التفاعل الرمزي؛ الأفراد هم من يصنعون ويصوغون مجتمعاتهم.
هي نظرية اخترعها عالم الاجتماع «هربرت ميد» وهي تختص في دراسة الأفراد، وتحديداً بالفعل الاجتماعي واستيعاب الفرد لأدوار الآخرين.
تركز اهتمامها على دراسة التفكير وعملياته، وأيضاً هي مهتمة بتحليل الأنساق الاجتماعية للشخصية، للثقافة والنظام الاجتماعي.
- بتعبير آخر؛ البشر يتصرفون حيال الأشياء على أساس ما تعنيه بالنسبة لهم [من خلال المعاني المتصلة بها] وهذه المعاني نتاج للتفاعل الاجتماعي في المجتمع الإنساني؛ وعلى ضوئه تُحلل أنساقهم الاجتماعية. فهل الشخصية فاعلة؟ أم منفعلة؟ سلبية؟ أو إيجابية؟ وهل الثقافة نمطية أم إبداعية؟ أصيلة أو عارضة؟ هل النظام الاجتماعي متماسك؟ متعاضد؟ مفكك؟ وغيرها من الاسئلة.
إذاً: كل مجتمع يملك رموزاً ونماذج لها قيم ومبادئ، وهؤلاء الرموز يؤثرون أكثر مما يتأثرون؛ لأنهم يقومون عادة بصناعة المجتمع وبصياغته على طبق رؤاهم ومبادئهم بما يمتلكون من طاقات وخبرات وكارزيما، وبها يكونون قادرون على صياغة المجتمع.
وهي الرموز أو ما يسمى بالسيميائيات، بحسب علماء الاجتماع «جورج ميد» هي اللغة.
والمعاني عند «بلومر» والانطباعات الذهنية عند «جوفمان».
والرموز هي: مجموعة من الإشارات المصطنعة؛ يستخدمها الناس فيما بينهم لتسهيل عملية التواصل، وقد تكون رمزية صحيحة وقد تكون خاطئة في نظر البعض، كما هي رمزية الصحابي الجليل، المثيرة للجدل «حبيب بن مظاهر» فالبعض يرى خطأ رمزيته كمسجّل للزوار كما يحلو عند البعض ترميزه!
حيث يرى من يخطئ هذه الرمزية، أن رمزيته الصحيحة *قارئ القرآن* كما هو وارد عن سيد الشهداء في تأبينه: «لله درك يا حبيب؛ لقد كنت فاضلاً تختم القرآن في ليلة واحدة» وتلك ما هي إلا مخترع من قريحة شاعر وبدأت تتداولها الناس كمسلّمة من المسلّمات طالبة منه ومستميتة على تسجيله لهم كزوار!
وهذا ما ينقلنا للسؤال التالي!
- هل نحن من نصنع الرموز؟ أم هي مصنوعة ذاتياً؟ ونحن فقط نتفاعل معها؟ أم نحن مساهمون في صناعتها؟!
بحسب نظرية «فيكتور تيرنز»، إننا محاطون بمئات الأشياء المادية وغير المادية، وعن طريق اللغة والذات تُختبر هذه الأشياء وتُجرّب وبعد الاختبار، تتحوّل إلى رموز - نساهم في صناعتها - والرموز تقسم بالنسبة لنا إلى إيجابية أو سلبية، وتفاعلنا مع الرموز الإيجابية يكون قوياً، بعكس التفاعل مع الرموز السلبية!
والرمز الذي نعطيه لأي شيء هو الذي يحدد صورة التفاعل بيننا وبين ذلك الرمز.
الرمز في حقيقته بمثابة مثير والتفاعل معه تمثّل الاستجابة لذلك المثير، وهذه الأخيرة مختلفة بحسب الرمز، وبحسب الفرد المتفاعل[دوافعه/خصائصه/ نمط شخصيته... إلخ]، فعلى سبيل المثال نجد التفاعل الرمزي الايجابي لأتباع النبي الأكرم ﷺ ﴿محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم﴾ «سورة الفتح/ 14». فهو شخصية عندهم تمثّل رمزاً للعطاء، للمثل العليا والفضائل.
والعكس صحيح في الجهة المقابلة عند التفاعل الرمزي السلبي ﴿إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا﴾ سورة الأحزاب/ 67.
بحسب علماء الاجتماع، السلوك البشري خاضع لتأثير الغريزة بدرجة كبيرة.
وبحسب علماء النفس، الانتماء للجماعة من الاحتياجات الإنسانية، وهي من الدوافع الثانوية الناشئة من تفاعل الفرد مع بيئته الاجتماعية، والتفاعل الرمزي أحد تمظهرات تلك الاحتياجات. وترجمة هذه الاحتياجات في تلبية رغبات المتفاعلين وحل مشاكلهم.
فمشروع التنوير في الغرب لم ينتصر على المشروع الراديكالي، إلا بعد أن أقنع الناس بأنه الأفضل من أجل حل مشاكلهم، وتلبية رغباتهم العميقة والمشروعة.
هو في حقيقته تجمّع حول قطب معيّن، يرمز لقضية.
وفي علم النفس، التجمّع: أولئك الذين يحملون مشاعر نفسية متشابهة، صوب قضية واحدة وهذا التجمع يحيل الكل إلى ذات واحدة، وصفة الانقياد غريزة بيولوجية تمتلكها المجتمعات؛ فالزعيم هو الذي يمنح النفس اللاشاعرة، الروح والعزيمة.
وهذا - ربما - ما يشعرون به الملايين الزاحفة كمتفاعلين في زيارة الأربعين للإمام الحسين الرمزية، الذي لا يقف شيء في وجههم كمانع من الوصل بمعشوقهم السرمدي إلا وقد نحّووه جانباً، وركلوه غير آبهين بكل أشكال الصعوبات أو المخاطر، فهم قد تفاعلوا واندكوا وعشقهم الرمزي لمحبوبهم!