قراءة في كتاب «السيدة عائشة رؤية شيعية معاصرة»
صادر عن دار روافد للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت
تلفون 868980/71
بريد الكتروني [email protected]
الطبعة الأولى 2017
يقع الكتاب في 311 صفحة من الحجم الوزيري وقد إعتمد المؤلف على 129 مصدرا أولها القرآن الكريم.
محقق وعالم دين لبناني يحمل ماجستير في الفلسفة الإسلامية. ودكتوراه في الفلسفة والالهيات.
مصنف على مدرسة تنويرية تؤمن ان الرسالات السماوية انما جاءت من اجل الإنسان وكرامته.
يبحث دائما عن المشتركات بين المذاهب والأديان، له كتب وأبحاث علمية منها:
1 - هل الجنة للمسلمين وحدهم؟
2 - وهل الدين الا الحب؟
3 - العقل التكفيري - قراءة في المنهج الإقصائي
4 - الفقه الجنائي في الإسلام، الردة نموذجا
5 - الإسلام والبيئة
6 - حقوق الطفل في الإسلام
7 - عاشوراء... قراءة في المفاهيم وأساليب الإحياء
8 - من حقوق الإنسان في الإسلام
9 - في بناء المقامات الدينية
10 - الشريعة تواكب الحياة
11 - حكم دخول غير المسلمين الى المساجد
الشيخ الخشن وخلافا لأستاذه العلامة السيد فضل الله رحمه الله الذي يكون صادماً عندما يحتاج الظرف إلى صدمة، وكان هادئاً عندما تكون المسائل هادئة.
يؤمن ويمارس اسلوب الصدمة في إيصال الفكرة فيصدم الطرف الاخر بالحقيقة التاريخية او الفكرية من اجل التفكر والتدبر، اما الشيخ الخشن فقد مارس في الكتاب أسلوبه الخاص فكان مفعم بالنبل وملئه الهدوء وهو يناقش حاملي راية السب والشتم وصوت البذائة المخالفين للفكر التنويري والوحدوي.
منذ مدة وأنا مقل في قراءة الكتب لأسباب لا اعرفها، لكن بعض الكتب تستهويني بشدة فأرى نفسي شغوفا بها ومنها هذا الكتاب الذي شغفت به:
اولا لعنوانه الذي في نهاية المطاف يبحث عن المشتركات مع الآخر المختلف معنا في بعض التفاصيل الفقهية وليس في العقائد ولا في الكليات.
ثانيا لجهة اهداءه لي وهو الصديق العزيز مدير المركز الإسلامي الثقافي في بيروت الاستاذ السيد شفيق الموسوي.
ثالثا لعلاقة مودة تربطني وكاتب الكتاب سماحة العلامة الشيخ الخشن الذي التقي معه فكريا ومع المدرسة التي ينتمي اليها وهي مرجعية العلامة السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله.
في آخر صفحات الكتاب كتب المؤلف فقرة من عشرة أسطر هي التي دفعتني الى عمل هذه القراءة في الكتاب وبالتالي قرأته مرة أخرى بشيء من التأمل لغرض هذا العرض الذي بين يديكم.
اما الأسطر العشرة التي جاءت في الصفحة 278بعنوان/ قليل الحق يغني عن كثير الباطل وقول المؤلف ما نصه:
«ولعل أسوأ ما تقود العاطفة المذهبية إليه هو ان يتوسل الباحث الحق والباطل للوصول إلى غرضه، وان يعمي على الشواهد والأدلة التي لا تلائم هواه ولا تخدم غرضه، فهو قد يمر على تلك الشواهد ولكنه يتعمد إغفالها او تجاهلها، وهذا قد يقود هذا الباحث الى تبرير هذا الخروج عن ضوابط البحث العلمي، وأهمها الأمانة العلمية، بتبريرات معينة تحاول إسباغ عمله بلبوس ديني، من قبيل الإنتصار للمذهب، او إسقاط الرموز الفاسدة، لكن هذه التبريرات واهية جدا، لأن مثل هذا الكلام سوف يؤدي الى ضياع الحقائق ويفتح باب الكذب والتزوير على مصراعيه على طريقة بعض الصلاح الذين وضعوا الاحاديث في فضائل القرآن الكريم حسبة».
خلق الله الناس لعبادته وأرسل رسله ليعلموهم ويكونوا عليهم حجة وهكذا جاءت وكررت التشريعات السماوية التفاصيل تلو التفاصيل.
وكانت الكلمة الطيبة او الخبيثة مسؤولية لا تقل أهمية عن مسؤولية العمل.
فكان كلام الخالق وقفوهم انهم مسؤولون.
مسؤولون عن افعالهم واقوالهم ومشاعرهم.
مسؤولون عن الخير الصادر منهم وكذا الشر.
مسؤولون عن أموالهم واولادهم وعن كل ما في الطبيعة من حولهم.
وجاءت فكرة الكتاب انتصارا للرسول محمد ابن عبدالله ﷺ وغيرة على مقامه وطهارة بيته.
ومن عنوان الكتاب يتضح الهدف الحقيقي للعلامة الخشن في الرد على ما صدر من بذاءات فئة شادة تقيم في الشرق او في الغرب تحسب نفسها ناطقة لمدرسة اهل البيت وقد أشعلوا وأججوا الفتن تلو الفتن حتى أضحى عموم اتباع مدرسة اهل البيت في قفص الإتهام والشبهة عند البعض ممن يتصيدون في الماء العكر ويبالغون ويأخذون الكل بجريرة البعض وان كانوا قلة.
الكتاب وعنوانه جد حساس ومثير أيضا، ونشره في هذا الوقت له ثمن بل اثمان، لكن الشجاعة الأدبية التي يتحلى بها المؤلف وكل من يعتقد بضرورة وحدة الامة في هذا الزمن جعلت الشيخ الخشن وغيره من الكتاب والخطباء الواعين ان يتحملوا مسؤوليتهم ويقولوا كلمتهم ويجاهرون بآرائهم بعدما صار فئة من اتباع اهل البيت يرفعون أصواتهم ليفرقوا الأمة وينشرون بذاءتهم ليسمعها القاصي والداني ويدعون انهم هم اصحاب الإسلام المحمدي الخالص والاصيل بينما هم نسخة من أولئك القوم في الأمة الذين يعتبرون انفسهم الفرقة الناجية، فلم نرى من هؤلاء وأولئك الا دعوات التشرذم والفرقة والتطرف وكأنهم لم يقروا قول الباري تعالى «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا».
هذا الكتاب وهو رد يقول به الغالبية والعقلاء من علماء وعامة الشيعة لتوضيح وتأصيل للموقف الشرعي والسلوكي لمكانة ومقام حرم الرسول ام المؤمنين السيدة عائشة من وجهة نظر الشيعة الإمامية وليقطع دابر من يقول ان الشيعة يشتمون ويتهمون أمهات المؤمنين رضي الله عنهن بما لا يليق بهن.
الكتاب عبارة عن بحثين معمقين ومطبوعين بشكل منفصل حول العلاقات الزوجية لرسول الله وأمهات المؤمنين وقد لقيا رواجا وإقبالا حتى انهما نفذا مبكرا.
كما حوى الكتاب بحثا ثالثا حول بنات الرسول زينب ورقية وام كلثوم وذلك ردا على رأي لدى البعض يقول انهن ربائب ولسنا بناتا للرسول ﷺ.
القسم الأول من الكتاب جاء بعنوان تنزيها لرسول الله ﷺ.
الإمتناع عن طرح الأسئلة الجريئة وكبتها داخل النفوس يفضي بطبيعة الحال الى مأزق كبير وصراع داخلي مرير بين الإيمان والعقل.... هكذا يقول الشيخ الخشن ويضيف: نتيجة ذلك التشكيك فقد يقود الى الكفر والجحود.
ومن هذا المنطلق أجاب المؤلف وبمنتهى الشفافية والعلمية على اسئلة وإشكالات قد تكون حائرة عند البعض ولا يجرئون على مناقشتها ومن تلك الإشكالات العالقة:
العلاقات الزوجية لرسول الله ﷺ وإتهامه بالشهوانية من قبل بعض المستشرقين والباحثين الغربيين خاصة!
كما وضع المؤلف الأسئلة الحرجة للبعض على غلاف كتابه ليجيب عليها في طياته وهي:
*هل ارتكبت السيدة عائشة الفحشاء؟
*هل تزوج رسول الله ﷺ عائشة في التاسعة من عمرها؟
*هل آيات الافك نازلة في عائشة ام في مارية؟
*ما الحكمة من تعدد زيجات النبي ﷺ؟
يرفض العلامة الخشن وبكل شجاعة التساهل في قبول كامل التاريخ وروايته فضلا عن التسليم بكل مروياته لأنه تاريخ قد تلاعب به الأهواء المختلفة وعصفت به المصالح الشخصية والعرقية والسلطوية والمذهبية... الخ
يوضح الشيخ الخشن في مقدمة الكتاب ان مدرسة اهل البيت ترى لأمهات المؤمنين جميعهن حرمة خاصة لأنهن عرض رسول الله ﷺ ولا يجوز لمسلم النيل منهن او التعرض لهن بسوء او بسب او قذف او رميهن بالفاحشة ولو صدر ذلك من مسلم فيلزم تأديبه لإساءته الأدب مع رسول الله صلى االله عليه وآله، ونيله من عرضه من حيث يدري او لا يدري.
يضيف الشيخ الخشن: ولهذا فإننا لا نقول في السيدة عائشة الا ما تعلمناه في مدرسة اهل البيت وهم لم يقولوا فيها ما يشين، «وإن أكرم القول في أم المؤمنين عائشة وأطيبه ما قاله فيها علي امير المؤمنين » - فيما روي عنه - بعد معركة الجمل الدامية: «وأما فلانة - يقصد عائشة _ فأدركها رأي النساء.... ولها بعد حرمتها الأولى والحساب على الله».
ويقول السيد محمد باقر الحائري المتوفى سنة 1331 هـ وهو من شعراء الشيعة ممن تأدب بآداب اهل البيت :
فيا حميرا سبك محرم
لأجل عين ألف عين تكرم
ان حرمة الرسول لا ترقى اليها حرمة احد من الناس، وان كرامته هي فوق كل إعتبار، وانما اكتسبت زوجاته حرمتهن من إقترانهن به، ونلن الشرف بقربهن منه، وهكذا الحال في صحابته واهل بيته جميعا، فهو مصدر الشرف والعزة لكل الناس، واذا كنا لا نقبل ان ينتهك احد حرمة زوجة من زوجاته، فالأولى ان لا نرضى ان يساء اليه ﷺ او تنتهك كرامته بأن ينسب اليه فعل أمر، او إرتكاب عمل لا ينسجمان مع مكارم اخلاقه او محاسن صفاته وإننا في هذا السبيل على استعداد لرد الاخبار أيا كان راويها، ومهما علا شأنه، اذا كانت تنافي خلق النبي ﷺ وتخدش في حيائه وكرامته.
بعد تلك المقدمات في الكتاب يقف المؤلف وقفات هادئة ومنطقية في التفاصيل ويدافع ثم يدافع ثم يدافع عن الرسول الاكرم محمد ابن عبد الله ويناقش بكل تفصيل وإسهاب الشبهات التي ذكرها مستشرقون وكتاب غربيون وكذلك مسلمين.
ويخصص الشيخ الخشن ثلاثة محاور هامة مجيبا على أسئلة شائكة ربما كانت في ذهن بعض المسلمين قبل المستشرقين:
المحور الأول في ثمانية وعشرون صفحة: دراسة المضمون الداخلي للروايات في قصة الزواج كما روتها عائشة.
المحور الثاني في سبعة عشر صفحة: نقد السند والشواهد المعارضة.
المحور الثالث في ثمان صفحات فقط: وهو بعنوان دوافع القصة السياسية والغير. ولربما كان إستحق هذا المحور المناقشة والتركيز وصفحات أكثر لما في ذلك من أهمية تلامس الواقع المعاش لبعض المسلمين اليوم وعصبياتهم وميولهم للخصومات وحبهم لاستدعاء التاريخ لغرض الانتصارات الوهمية والعصبيات الضيقة.
رغم قلة صفحات هذا المحور الا انه الأهم في نظري وتمنيت لو ان المؤلف أسهب فيه لما فيه من حاجة وضرورة بالنظر لواقع المسلمين المتشرذم اليوم.
القسم الثاني من الكتاب وهو بعنوان تنزيه زوجات الأنبياء عن الفاحشة، وفيه ثمانية محاور.
جاءت المقدمة في ستة عشر صفحة بعنوان مسؤولية الكلمة: ناقش فيه الشيخ الخشن اخلاقيات ومسؤوليات الكتاب والخطباء وضرورة احترامهم لمهنيتهم وكذلك لعقول المتلقين.
بعد ذلك تطرق الى فكرة جوهرية فقال فيما قال: إن هؤلاء الجهلة الذين يتفوهون بهذه الكلمات المسيئة هم من الذين يغذون نزعات التطرف في الامة.... ويشكلون الوجه الاخر للتكفير... ورافدا من روافده
أقول: وقد شاهدت وغيري مقاطع مرئية حوت على وصايا لإنتحاريين فجروا أنفسهم وسط جموع مصلين او معزين هنا وهناك يبرر فيها اولئك الإنتحاريين افعالهم على انها غيرة على أمهات المؤمنين والصحابة ودفاعا عنهم قبل ان يقدموا على تفجيراتهم الدنيئة.
بمعنى ان كل تلك البذاءات تشكل مبرر وحاضنة للتوتر الطائفي والإقدام على إيذاء المؤمنين هنا وهناك.
ينتقل المؤلف الى محاور أخرى في هذا الفصل وهو شيق ووجدته يحوم حول ذات الفكرة والمحاور التي في الفصل الأول لكنه يستدعي أدلة ومصادر تاريخية أخرى لإثبات صحة المطلب.
وكان المحور الخامس عبارة عن إستعراض كلمات وآراء لأربعة وعشرون من علماء الشيعة المتقدمين والمتأخرين التي تنص على نزاهة زوجات الأنبياء. فذكر رأي السيد المرتضى والشيخ الطوسي والعلامة الحلي والشيخ الطبرسي من المتقدمين. ومن المتأخرين ذكر رأي السيد محسن الامين والسيد عبدالحسين شرف الدين والشيخ محمد جواد مغنية والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ ناصر مكارم الشيرازي والسيد علي الخامنئي والشيخ جعفر السبحاني وغيرهما.
ملحق الكتاب وهو في الأصل دراسة بعنوان بنات النبي ﷺ.
الدراسة جاءت على ضوء القرآن الكريم وروايات اهل البيت يقول المؤلف الخشن انه أعدها قبل ما يقارب العشرون عاما عندما كان طالبا في الحوزة العلمية.
يستعرض المؤلف نفي بعض علماء الشيعة ان يكون لرسول الله ﷺ بنات غير فاطمة الزهراء مما دفع الشيخ الخشن البحث العلمي في الموضوع ليثبت وبأدلة القرآن الكريم والروايات الصريحة واقوال لبعض العلماء والنسابة المتقدمين بنوة بنات النبي ام كلثوم وزينب ورقية بعيدا عن الهوى والعواطف والمذهبية وكل مسبقات البحث ومن خلال مصادر الرأي الآخر المخالف لذلك.
إنتهت قراءتي للكتاب وارجو ان أكون استطعت ان أقدم حروفا نافعة وحفزت على قراءة هذا السفر الجميل وإقتناءه ولذلك اشرت الى تلفون وعنوان دار النشر في رأس هذا العرض.
جزى الله الشيخ حسين الخشن عنا وعن الأمة خير الجزاء عن عمله وجهده الذي بذله، والله نسأل ان يكون في ميزان اعماله ولنقل له أنك لست وحدك في هذا المعترك.