آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

إضاءة «2» على محاضرة: الدين وتجاذبات العقلانية «1» هل العقلانية محرض على الإيمان أم ضده؟

مؤيد علي البراهيم

لسماحة الشيخ عبدالجليل البن سعد - حفظه الله -

- كثيرة هي الصراعات الدائرة بين التيارات في التسابق المحموم لتقديم نظرياتها على أنها تحمل الوجه الأكمل في خدمة البشرية، ويجب أن تأخذ الطابع العالمي من خلال تصديرها وإن كان على حساب إلغاء نظريات أُخر، فهذا بدوره أنشأ لدينا العديد من الادعاءات القائمة في البيّن، حتى تولدت عنها أصداء تتبعها في النتائج وإن لم تلحظ ظروفها الموضوعة التي أسهمت في تواجدها ومن هنا تبدأ عملية الاستنساخ اللاواعي - من البعض - والمطالبة في مجتمع ما بتطبيق هذه أو تلك النظرية بغية تحقيق التكامل المزعوم، ويتم ذلك تحت نير الغفلة أو التغافل عن دراسة جملة المعطيات ومدى انطباقها والتي حدت بتكون هذه النظريات والوقوف عليها بشكل تام من جهة، ومن جهة أخرى وجود بعض العناصر المشتركة ونقاط التقاطع أوجدت لدى البعض حالة إيهام بأن الحدث هو ذاته، فمن الصواب عملية الاستيراد والتطبيق دونما العمل على أية محسنات وتشكيلات تناسب البيئة الجديدة.

وعليه لزم دراسة المنابع الأصلية لتلك النظريات ومعرفة ملابساتها الحقيقية، فمثلاً يتطرق المحاضر إلى أن العقلانية عملت جهدها في تقليص وتحجيم دور الأديان وجعلها في بوتقة ضيقة جداً أو تكاد أن تصل إلى مرحلة الانعدام، وفي جانب من الجوانب نجحت العقلانية بفعل ذلك من خلال تحييد الديانة اليهودية وكذا الحال مع الديانة المسيحية مما شجعها أكثر على الرغبة في مواصلة تمدد نجاحاتها لتصل إلى الدين الإسلامي غير أنها وجدت المقومات الأساسية التي يرتكز عليها الدين الإسلامي من المتانة بما كان، ومن هنا جعلها في حالة صدام مع الإسلام مما أدى إلى تبدد تلك التصورات عن الدين الإسلامي، وقولنا هذا لا يزال في طور الادعاء، ولأجل أن نبرهن عليه نورد قول المحاضر والذي أجمله في نقاط ثلاث وهي على النحو التالي:

1 - قول الدكتور اخوان با تشيكو من المسيح العرب يقول:

كانت العقلانية الغربية ظاهرة فكرية تقدم نفسها على أنها انفصال عن التفكير الديني، إلاّ أن العقلانية العربية كانت مبنية بشكل كافٍ على الفكر المعتزلي، والفكر المعتزلي كان هو الوجه الرسمي للعقل في العالم الإسلامي وأن المعتزلة كانوا يحيلون أهم القضايا الفكرية على العقل ويؤكدون منطق العقل بالوحي أي أنهم لم يأخذوا بكلام الوحي أخذاً مستقلاً لكنهم يقومون بإثبات الشيء عقلياً ثم يقولون أن الوحي جاء مطابق للعقل، كما هو الأمر بالنسبة إلى الخير والشر فالمعتزلة أرجعوا الخير والشر إلى العقل واختيار الإنسان وأخذوا نصوصاً من النبي الأعظم - ص - وأهل البيت - ع - تؤكد هذه المقولة.

2 - المؤلف الثاني غريغوار منصور يقول:

أن الماركسية عندما برزت في العالم الشرقي والغربي كان عندها عضلات عقلية لا يمتلكها أي تيار آخر، إذن الماركسية كانت تمتلك عضلات فكرية ذهبت للعالم الغربي واستطاعت أن تكسح ذاك العالم وأصبح ماركس رمزاً من الرموز، وعندما جاءت للعالم الإسلامي في رأي الكاتب غريغوار منصور حصل نزاع وتنافس بين الماركسية والإسلام كل يقول العقل عنده، ولم تستطع الماركسية أن تحتكر العقل لصالحها دون الإسلام..

فيقول الكاتب:

”ما لاحظناه لدى الأيديولوجية الماركسية والإسلام تشابه وتقارب بحيث صار الرهان على العقل كعصى سحرية قادرة على إخراجنا مما نحن فيه“ فاندحرت الماركسية وبقي الإسلام.

3 - إن العقلانية الغربية هي أساساً انشقاق عن الكنيسة والمسيحية*، تكونت نواة العقلانية في الكنيسة وصار انقلاب على الكنيسة ”هذه الثورة لا بد أن تكون مبنية على أسس واضحة أن الكنيسة فيها عيوب معينة ثابتة“ وهنا نحن لسنا بصدد ذكر كل العيوب لكن هناك عيباً ثابتاً كوّن ثورة العقلانية على الكنيسة هو:

«الكذب المؤدلج على الإسلام».

وهناك فلاسفة غربيين أعلنوا مقاطعة الكنيسة لأنها تكذب على الإسلام والمسلمين، وفلاسفة وقامات كبيرة أعلنوا مقاطعة أساتذتهم المسيحيين لأنهم كانوا يشوهون صورة النبي الأعظم ﷺ، *فقال فولتير: *

”أن محمداً صار صديقاً لي عزيزاً إلى درجة أنه شغلني عن أي شيء آخر وجعلني كسولاً عن القيام بأي واجب ومنصرفاً عن جميع الأصدقاء الآخرين“..

هذا الفيلسوف تربى ونشأ في الكنيسة وهي تشوه صورة النبي الأعظم وتكذب على الإسلام والمسلمين بأكاذيب مقززه.

فنقول هنا أن العقلانية الغربية أحد انشقاقها عن الكنيسة هو تزويرها على الإسلام إذن أن بعض الانقلابات بدأت عند فلاسفة التنوير «من الدفاع عن الإسلام والمسلمين» وفلاسفة عصر الأنوار قسم منهم كان له دوافع تدفعه نحو العقلانية وأحد هذه الدوافع أنه اكتشف كذب ودجل الكنيسة من خلال تزويرها على الإسلام والمسلمين ورسول الإسلام.

وأحسب أن ذلك إشارة صريحة لمثقفِّ هذا اليوم ليعيدوا النظر ملياً في طبيعة الأفكار التي يحملونها تجاه «الدين» باسم التنوير ويستميتوا في الدفاع عنها ’ علماً أن أصحابها الأصليين قد انقلبوا على محيطهم جراء تلك الأكاذيب التي وصم بها الإسلام ونبيه - ص - فحري بمن انتسب إلى ساحة الثقافة أولاً أن يوجد هوية حقيقية ومتكاملة المعالم عن انتماءه ومن ثمة يعمد إلى تحقيق الاستقلالية الفكرية والمعرفية، وعليه اتضحت جلياً ملامح العقلانية وتصوراتها عن الأديان فحينما يأتي أحد ما ويطالبنا بأن نستنسخ مثل هكذا نظريات فالمراد منه بيّنٌ، لا سيما أنه سنقف على المميزات التي يمتاز بها الإسلام وهل أنه حقاً يفتقر إلى العقلانية لنلجأ إلى تلك النظريات؟

وهذا ما سنجده في قول المحاضر وهو على النحو التالي:

ماهي الملكات العقلانية عند الإسلام التي تميزه عن الديانات الأخرى؟

وكيف نقنع أنفسنا أن الإسلام متميز عن سائر الديانات الأخرى.؟؟

الجواب:

سيرجع بنا إلى فرع من العلوم الإنسانية - علم الأديان المقارن - هذا العلم وقف عند حقائق عجيبة وسنختار هنا ثلاث عينات من الأديان وسبب الاختيار لهذه العينات الثلاثة مبني على علاقتها بالعقلانية فبعض الأديان مستوى العقلانية عندها صفر وبعضها ضعيف...

وهنا نسأل كيف يتم تقدير مستوى العقلانية في الأديان؟

الجواب:

هو من خلال النقطة المركزية في كل دين فكل دين له ارتكازات معينة هذه المرتكزات تنفذ إلى أحكامه وتعاليمه.

الأديان ومرتكزاتها:

1 - المسيحية ومرتكزها هو: الخطيئة ”دين يرتكز على الذنب والخطيئة ويرى كل البشر مذنبين وعاصين وآدم مذنب وكل البشر عليهم تحمل هذا الذنب“

2 - البوذية ومرتكزها: الخلاص من الألآم والمعاناة - دين همه الأكبر أن يخلص البشرية من معاناتهم ومن آلامهم -

3 - الإسلام ومرتكزه هو: الإنسان - دين يتمحور بمحور الإنسان في كل الجوانب والدين الذي يتمحور حول الإنسان يعني أنه جامع وشامل «هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا» وهذا منطق دين الإسلام.

وعليه فلا مجال للأصوات المرتفعة والمطالبة بأنسنة الدين وما إلى ذلك، إذ أن الحقيقة باتت جلية ولا تعدوا كونها زبرجة لفظية تبهر القائل بها.

حينها يعطف المحاضر حديثه على تشكيكات العقلانية:

العقلانية عندما وجدت عند الإسلام مرتكز هو نفسه الذي استندت عليه تيارات العقلانية «التنوير والعلمانية والحداثة» التفت من جهة أخرى وهي التشكيك في تعاليم الإسلام ووجهت اتهامها للإسلام بأنه غير قادر على تحقيق أهداف الإنسانية بسبب عوائق وعثرات ولابأس بالتحدث عن نوعين من الشكوك المطروحة في تراث الإسلام:

1 - تشكيك ناتج عن قراءات اضطرابيه: يشكك في النظام المعرفي للإسلام الذي يكوّن على أساس العقل لأن العقل الإسلامي له ثلاث فصائل «عقل بياني، عقل عرفاني، عقل برهاني»..

والرد عليها على النحو التالي:

إن هذه القراءة مع احترامنا للقامة «الجابري» إلاّ أنها قراءة مضطربة وأقصد بذلك أن الرجل الكاتب ناقضَ نفسه بعد صفحات فأصابه الهوس بالعقل العربي والإسلامي فقال عن ابن سينا أنه غنوصي - مذهب يؤمن بالباطنية - وقال عن ابن رشد عقلاني والشافعي صنّفه بأنه بياني، وبعد فصول من الكتاب قال أن الشافعي عقلاني، لماذا؟؟

لأن النسبة بين العقول تداخلية، فعندما يقول أن هذا العقل بياني فقط فهذا خبرته قاصره وكذلك إذا قال أن هذا العقل استقلالي فقط فهذا خبرته قاصره لا يوجد عقل استقلالي محض الاستقلال ولا بياني محض البيان بل أحياناً العقل البياني نشاطه أكبر من العقل الاستقلالي وهنا نطرح مثال:

《♢》 - نحن الشيعة عندنا مدرسة إخبارية في قبالها المدرسة الأصولية - «الأصولية تعمل بالعقل تزاوج بين العقل والنص» _ فإذا شك إنسان في حلية وحرمة عملية ما مع عدم وجود نص تحريم فالأصل البراءة لأن العقل يقول يقبح العقاب بلا بيان فمادام لا يوجد بيان لا يوجد عقاب ولو أراد الله معاقبتي لأنذرني لأن الله سبحانه يعاقب بعد إرسال النذر...

《▪ 》أما الإخبارية فلا مجال للعقل في ترتيب أمور الدين وهي تصنف ضمن العقل البياني لأنها ترجع كل شيء إلى النصوص..

*♧هناك لبس بين كلمة عقلي وعقلاني: - *

قد لا يكون المنهج عقلي لكن السلوك عقلاني وقد ذكرنا في المجلس السابق أن العقلانيات الاجتماعية هي العقل المستوظف، فالعقل ليس شكلاً ونمطاً واحداً لذلك عجلات الفقه عندنا الشيعة لم تدر بمحرك أصولي فقط بل دارت بمحرك أخباري ورئيسي، وأجرأ الآراء الفقهية عندنا ترجع للإخبارية..

- 》المحسن الفيض الكاشاني إمام من أئمة الإخبارية وأجرأ الآراء الفقهية تحدث بها وكاد أن يأتي بفقه جديد، وبعض مسائله أخذت مدارها في البحث وأصبح الفقهاء المتأخرين عنه يميلون لقوله - دون تفصيل - فهذا العالم حسب تصنيف الجابري يعتبر بياني

- 》 الطبرسي النوري جاء في زمن ورأى جماعته المحدثين ألفوا كتب كثيرة بأحاديث أهل البيت فرأى أن البحار غير وافٍ والوسائل في نظره ناقص والوافي للفيض الكاشاني غير وافٍ وآل على نفسه أن يستدرك وكتب المستدرك هذا الرجل مولع بعلم الحديث وبحسب ترتيب الجابري عقله بياني لكن حقيقة له تحقيقات لم يجرأ عليها الأصوليين وقد نقد الخطاب الديني ايضاً قبل 120 عام ونقد المنبر الحسيني وحمل حملة عشواء على الروايات التي تُذكر فوق المنبر ولايقبلها العقل وترك كتاباً اسمه «اللؤلؤ والمرجان» - الكتاب لا نقبله بشكل مجمل ولا كله يقبله الأعلام - لكن الأعلام ما ادعوا أن كتابه باطل وأن خطوته باطلة.

- 》 في عصرنا الشيخ أمين زين الدين البحراني رحمه الله رجل أخباري ومرجع من مراجع الإخبارية أقام في النجف جنباً إلى جنب المرجعية الأصولية عاشت معها عيشة سلام وحركة السلام تأتي من الطرفين وهذه تعتبر ميزة جميلة تتحف بها قلوب المؤمنين عندما تتحدث عن أدبيات علمائهم، فعند الحديث عن الحوزات لماذا يتم تسليط الضوء على السلبيات وتتبع العورات - وتتبع العورات كبيرة من الكبائر - بإخراج قضية بين الأصولية والأخبارية مضى عليها أكثر من ثلاثمائة عام دون أن تتم المعادلة مع القضايا الأخرى الإيجابية، وأقول هنا أننا مُمتَحنين بالبعض الذين يتبوؤون هذا المبوأ وهو الناقد

رجوعاً إلى زين الدين فقد هجمت الشيوعية على العراق بصورة عامة والنجف بصورة خاصة ومن أفضل من تصدى للرد على الشيوعية هو الإخباري وكان علماء الأصوليون يرون له امتياز ويحيلون إليه وظيفة الرد والمعالجة ووصلت ردوده من القوة أنه كتب كتيب بعنوان العفاف بين السلب والإيجاب منعوا طباعته - في وقته - لقوته، وكتب كتاب «الطليعة المؤمنة»، إذن النسبة تداخلية لا نستطيع تصنيف هذا عقل بياني وهذا عقل برهاني فهذه قراءة مضطربة في حقيقة الحال..

2 - التشكيك في العوائق والعثرات:

وهذا القسم يرى أنه لا يوجد مشكلة في العقل الإسلامي لكننا لا نثق بمن يقوم بهذا العقل فقد يخطئ ولا يكون أميناً في تطبيق العقل الإسلامي أو يكون جاهلاً بالعقل الإسلامي أو يكون عنده سوء نية ففي نظر هذا المشكك أنه لا يستطع الاعتماد على العقل الإسلامي لأن العقل الإسلامي له قيّم وهذا القيم إما ان يخطئ أو جاهل أو عنده سوء نية. وهنا أطرح علاجين: -

●》 العلاج الأول نقول:

هل العقل التنويري والعقل العلماني والحداثي لا يحتاج إلى قيّم؟

وهذا القيم لا نحتمل فيه الجهل أو سوء النية أو الخطأ؟

ومعروف أن العلمانية أخطأت أخطاء كبيرة جداً نتيجتها أن الغرب يأنّ منها وبدأت موجة العودة للدين الأصولي المتطرف في الغرب ودرسوا أسبابه، وأسبابه ان العلمانية أرادت إقصائهم فتبين أن اقصائهم من المشاركة في الحياة العامة خطأ وبعد تلغيم العقول صارت تنفجر في الغرب، فالعقل الآخر أيضاً يطيح في الجهل والخطأ وسوء النية...

 العلاج الثاني أقول:

أن هذا الكلام هو كلمة حق أُريد بها باطل، فنحن الشيعة نقر بصحة هذا الكلام لكن بدرجة معينة ولذلك ألزم الله بخلافة المعصوم لأنه لا يستطيع أن يوصل الدين بمنتهى الأمانة ولا يرشد العقول إلاّ الإمام المعصوم، فنحن نقول أن هذا الكلام فيه جانب من الصحة لذلك نحن ننتظر صاحب الزمان عج لأن حياتنا فيها النقص وعقولنا فيها اللبس وديننا فيه ما لا نعرفه وحتى الذي نعرفه لا نمتلك القدرة على تطبيقه إلا بالحجة، لكن هذه الحقيقة هل تعني أن نترك الدين أم نجتهد ونتخذ تقنيات فقهية للوصول إلى العقل الديني فهذا النقص دافع للتحرك وليس الجمود...

‏‫