آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

عاشوراء ثورة لإحياء البعد الإنساني في وجدان الأمة

أديب أبو المكارم *

من يقرأ سيرة الإمام الحسين منذ عزم على الخروج وفي مسيره إلى كربلاء، وقبل المعركة واثنائها حتى مقتله الشريف، يجد تركيز الإمام على البعد الإنساني. الأمر الذي به يتجلى الإيمان الحقيقي. من هنا يتناول سماحة الشيخ الصفار هذا الجانب في ختام الموسم العاشورائي 1440 هـ مؤكدًا على قضايا يراها من أهم الأمور التي يحتاجها الوجود الإنساني كالتبرع بالأعضاء. داعيًا إلى اتخاذ يوم عاشوراء يومًا عالميًا للتبرع بالدم.

عاشوراء والمشهد الإنساني.

لم يكن الهدف الديني والسياسي عند الإمام الحسين على حساب البعد الإنساني. من سيرته في كربلاء نراه يقدم أداء الدين على نصرته وهو إمام ويمثل الدين. ويأمر أحد أنصاره بالذهاب لفكاك أسر ابنه، وحين يصر الرجل على البقاء معه يعطيه المال ليذهب ابنه الثاني لفكاك أسر أخيه.

لكن البعد الإنساني أصبح مغيبًا في فهم كثير من المتدينين. سلوك يميل إلى الجفاف والقسوة واهمال لحقوق الناس.

الإمام الحسين ينطلق من الفهم الأصيل للدين المتمثل في بعدين:

- الإيمان بالله تعالى وعبادته.

- الاهتمام بالناس ومراعاة حقوقهم.

ولا قيمة للبعد الأول إذا تجاهل الإنسان البعد الثاني. يشير القرآن الكريم في آية «ليس البر أن تولوا وجوهكم» إلى حقيقة التدين، وهو أن البعد الاعتقادي يجب أن ينبعث منه بعد إنساني كالاهتمام بالضعفاء ومراعاة حقوق الناس. وحين يتحدث القرآن الكريم عن أهداف الرسالات السماوية يركز على إقامة العدل بين الناس: «ليقوم الناس بالقسط». ويؤكد النبي ﷺ على نفع الناس: «خصلتان ليس فوقهما من البر شيء: الإيمان بالله والنفع لعباد الله». فلماذا يتجاهل بعض المتدينين حقوق الناس؟ والأسوأ تبرير تصرفاتهم تبريرًا دينيًا؟ وهذه أكبر إساءة للدين.

حين سيطرت الحركات المتطرفة كالقاعدة وطالبان وداعش أجرموا بحق الناس والدين. نشروا الرعب في أوساط الناس، ومارسوا جرائهم الوحشية باسم الدين! شاب سوري ينظم إلى تنظيم داعش، يعدم أمه على مرأى من الناس لأنها نصحته أن يترك التنظيم!

النص الديني يؤكد على مكانة الإنسان: «ولقد كرمنا بني آدم»، لم يخصص المسلمين أو المؤمنين، بل مقتضى آدمية الإنسان، والإيمان يعطيه مرتبة أعلى. إذا تعاملت مع أي إنسان فاحسب حسابًا لمن كرمه الله تعالى.

الأحكام الفقهية تراعي حقوق الناس. فالصلاة التي هي عمود الدين تُقطع إذا كان من أجل إنقاذ إنسان. ولا يجب على المرأة الحامل أو المرضع الصوم إذا كان في ذلك ضرر على الجنين أو الطفل. ومن عليه دين ولا يستطيع أداءه لا يجب عليه الحج. وكل المستحبات مرجوحة أمام ما يكون فيه خير للناس. الإمام الباقر يشير إلى أن كفالة بيت محتاج أفضل من 70 حجة.

فالتدين الحقيقي هو ما يراعي حقوق الناس القريب منهم والبعيد. حتى الخدم عليك أن تحترمهم: «أذل الناس من أذل الناس».

جوهر التدين نفع الناس:

خدمة الناس والسعي لقضاء حوائجهم جوهر التدين. وأريد هنا التركيز على أمور أراها هامة جدًا:

#0069ab ;">الأول: التبرع بالأعضاء. هذا من أهم المجالات في نفع الناس. فتلف عضو لإنسان لا يمكن تعويضه إلا من إنسان آخر. بعد لم يتوصل الطب إلى الاستفادة من أعضاء الحيوانات فجسم الإنسان يرفضها. وتصنيع الأعضاء في أشياء محدودة مثل صمام القلب. لكن الأعضاء مثل الكلى والكبد لا يمكن تصنيعها.

وبفضل الأبحاث العلمية تمكن الطب من نقل عضو من جسم إنسان إلى آخر. عام 1905 أجريت أو عملية قرنية من عين إنسان إلى آخر. في 1954 أول زراعة كلى من إنسان حي. في 1962 زراعة كلى من إنسان ميت. في 1976 نقل قلب إنسان ميت إلى آخر حي. في 1981 نقل رئة ميت إلى حي. في 1991 زراعة الأعضاء مثل زراعة وجه أو جزء من وجه، وعظم ويد.

عاشوراء يوم عالمي للتبرع بالدم.

#0069ab ;">ثانيًا: التبرع بالدم. المرضى الذين يحتاجون إلى الدم كثر. ولا يضير من يتمتع بصحة جيدة أن يتبرع بدمه كل 56 يومًا. ومع ذلك نجد نسبة المتبرعين تطوعًا في المملكة 40% فقط!

وكنا نتمنى أن يكون يوم عاشوراء يوم عالمي للتبرع بالدم. كما نهتم بإقامة الشعائر وهذا أمر حسن، فليكن من ضمنها التبرع بالدم على مستوى العالم. فأهيب بكم أن تهتموا بالأمر فهو من أفضل الأعمال في بعدها الإنساني، الأمر الذي أكد عليه الإمام الحسين في نهضته المباركة.

#0069ab ;">ثالثًا: التبرع بالنخاع العظمي والصفائح الدموية. وهذا يحتاجه مرضى السرطان. وهو تبرع لا يترك ضررًا على الإنسان.

#0069ab ;">رابعًا: التبرع بالكلية. لكل إنسان كليتان ويمكنه العيش بكلية واحدة بلا ضرر عليه. ومرضى الفشل كلوي كثيرون، وهو مرض يستدعي غسيل الكلى الذي يسبب معاناة شديدة للمريض، إضافة إلى أن حياته تكون عرضة للخطر. وتبرع إنسان له بإحدى كليتيه يعيد حياته للوضع الطبيعي. وهذا أجره عظيم عند الله تعالى. فلماذا يبخل الإنسان بالتبرع حتى إلى القريبين منه؟

#0069ab ;">خامسًا: التبرع بجزء من الكبد. كما يعبرون بفص من الكبد. ولا تأثير على المتبرع صحيًا، بل إن الجزء المقتطع منه يعاود نموه خلال 6 أشهر.

هذه أمور يمكن للإنسان أن يتبرع بها ولا يكون عليه ضرر. أما بعض الأعضاء كالرئتين والقرنية والبنكرياس فهي أعضاء يكون التبرع بها بعد الوفاة الشرعية أو الموت الدماغي. وفي حالة الموت الدماغي هناك اشكال فقهي إذ يناقش الفقيه في كون الموت الدماغي موتًا شرعيًا أم لا؟ بعض السنة اعتبروه موتًا شرعيًا وأجازوا التبرع. وبعض من فقهاء الشيعة لا يرون أن الموت الدماغي يعتبر موتًا شرعيًا، وبعضهم يعتبره كذلك مثل السيد فضل الله والشيخ الآصفي.

وهناك مسألة أخرى حول الأعضاء التي يجوز نقلها من الميت هل تكون بشكل مطلق حتى لو كانت تجميلية، أم فقط لإنقاذ حياة إنسان؟ في هذه المسألة أيضًا يختلف الفقهاء وعلى المكلف أن يأخذ بحكم من يقلده.

في المجمل علينا أن ننشر ثقافة التبرع بالأعضاء ضمن الحدود والضوابط الشرعية. فهذا الأمر من أفضل أعمال البر ونفع الناس. تلك القيمة الإنسانية التي ثار لتحقيقها الإمام الحسين حتى يبقيها في ضمائر الأحرار متقدة.

 

العوامية