آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

نداء للكفاءات بالانخراط في العمل الخير وتأسيس جمعيات تخصصية

أديب أبو المكارم *

اهتمام الفرد وشعوره بالآخرين أمر مطلوب. فهو يعكس جوانبه الإيجابية على الشخص نفسه وعلى المجتمع، كما يحقق مطالب الدين القويم. ليس هناك دين اهتم بالدعوة للبذل والانفاق مثل الإسلام. وتعتبر الجمعيات الخيرية عندنا نموذجًا مشرّفًا للعمل الاجتماعي، ولكنه يشكو من قلة المتطوعين، وعزوف أصحاب الكفاءات عن الانضمام فيه. كما أن المجتمع بات محتاجًا أمور تخصصية كالمصحات النفسية ومراكز مكافحة المخدرات، وحماية البيئة. هذه الأمور وغيرها نادى بها سماحة الشيخ بالتفصيل في محاضرته العاشورائية السابعة لموسم عاشوراء 1440 هـ تحت عنوان: تطوير العمل الخيري واحتضانه.

المحور الأول: بناء الذات وتقدم المجتمع.

حب الإنسان لذاته وانشغاله بتحقيق مصالحه الذاتية أمر طبيعي ومشروع. فحب الذات غريزة في نفس الإنسان، وهو مكلف شرعًا بالدرجة الأولى بنفسه حتى في النفقة. والقرآن الكريم يؤكد: «عليكم أنفسكم». لكن حب الذات لا يعني انطواء الإنسان على نفسه وتجاهل الآخرين في مجتمعه. بل إن اهتمامه بالآخرين ينطوي على حب الذات، وذلك لعدة أسباب:

إثراء المشاعر الإيجابية. الإنسان لا يكتفي بالرغبات المادية فحسب، بل هو كتلة أحاسيس ومشاعر وهذه تغذى بالاهتمام بالآخرين. والعاملون في العمل الخيري يدركون هذا الكلام. كم يفرح الإنسان حين يشارك بعتق رقبة، أو يفك أسر سجين.

تنمية المهارات الاجتماعية والإنسانية. مهارة التواصل مع الآخرين، والقدرة على الاقناع، والعلاقات العامة تتحقق وتُكتسب من خلال العمل التطوعي.

اكتساب مكانة اجتماعية.

قوة المجتمع. الإنسان جزء من المجتمع، وهو يستقوي بمحطيه الاجتماعي.

البناء لدار الآخرة. يعرف المؤمن أن الدنيا قصيرة وهي جسر لدار الخلود. واهتمامه بالآخرين خير سبيل لضمان حياة خالدة منعمة، فالعملة المتداولة هناك هي العمل الصالح.

تحقيق العلاقة الإنسانية الطيبة. في هرم ماسلو المعروف يضع الأوليات التي يحتاجها الإنسان من القاعدة: الحاجات الفسيولوجية كالتنفس والغذاء، ثم حاجات الأمان على النفس والممتلكات، ثم الحاجات الاجتماعية كالعلاقات، ثم التقدير، وأخيرًا تحقيق الذات. المراتب الثلاثة الأخيرة يحققها الإنسان عن طريق العمل الاجتماعي الخيري.

المحور الثاني: توسيع قاعدة العمل التطوعي.

المجتمعات الإنسانية تتنافس على العمل التطوعي، وتأسس جمعيات تطوعية مهما كان مستواها الاقتصادي. في المجتمعات التي نعتبرها مجتمعات مادية مؤسسات تطوعية ضخمة وعمل دؤوب لا يقاس بما عندنا. فهم يؤمنون بأديان، وكل الأديان تحث على مساعدة الآخرين. والمفكرون الغربيون التفتوا إلى مساوئ الرأسمالية التي كانت تفرط في الفردانية، ونظروا وحثوا على العمل الاجتماعي. ولا تخلو مجتمعاتنا من الأنشطة التطوعية لكنها قياسًا بما عند المجتمعات الأخرى تدعونا للتعجب. المنظمات الخيرية في العالم العربي كله لا تتجاوز المنظمات الموجودة في ولايتين من ولايات أمريكا! عدد المتطوعين في المملكة حسب آخر إحصائية لا يتجاوز 23 ألف متطوع! لذلك فإن رؤية 2020 تخطط لرفع عدد المتطوعين إلى 300 ألف، ورؤية 2030 تخطط إلى مليون متطوع.

لماذا هذه الأرقام الضئيلة ونحن مجتمعات متدينة؟ قرآننا يحثنا على حب الغير، بل يعتبر التدين بدون الاهتمام بالآخرين تدينًا زائفًا.

كيف نوسع قاعدة العمل الخيري؟

تسهيل الإجراءات الرسمية. وهذا أمر تشير له وثيقة جودة الحياة، فزيادة المنظمات الخيرية يرفع نسبة المملكة دوليًا في هذا الجانب. وعلى الناس الاستفادة من هذا التوجه. وعلى الموظفين في الحكومة تسهيل الإجراءات على الناس. فبعض الأنظمة سهلة، ولكن الموظف بمزاجه يعقدها.

تطوير إدارة العمل الخيري. أصبح للعمل الخيري أنظمة ومؤتمرات تعقد لتطويره، وورش عمل لتأهيل العاملين فيه، ونحن بحاجة لمواكبة هذا التقدم على المستوى الإقليمي والعالمي.

الانفتاح على المستوى المحلي. على العاملين في المؤسسات التطوعية الانفتاح على مجتمعهم واطلاعهم على إنجازات المؤسسة، حتى يتفاعلوا معها.

الانسجام الداخلي. انسجام العاملين في العمل التطوعي داخل المؤسسة التطوعية يحفز الآخرين على الانخراط معهم.

من جهة أخرى على المجتمع احتضان هذه المؤسسات والاهتمام بالتالي:

تقدير العاملين. فهم أناس يعملون لوجه الله، يأخذون من وقتهم ووقت عيالهم.

النقد البناء. إذا كانت هناك ثغرات فليكن النقد بناء، لا نحوله لتشويه المؤسسة والأفراد. الله تعالى يتوعد من يلمز ويسخر بالمتطوعين بالسخرية منهم.

رفد المؤسسات الخيرية بالطاقات والكفاءات. مجتمعاتنا بحمد الله تزخر الآن بالكفاءات من أكاديميين ومثقفين ورجال أعمال ورجال دين وذوي رأي وخبرة، إلا أن تفاعلهم مع المؤسسات التطوعية ضعيف. انخراط هذه الفئات في المؤسسات الخيرية يعطيها قوة ويزيد في تقدمها وعطائها، ويرفع المعنويات ويضع بصماته. وعلى المؤسسات الخيرية تشكيل قاعدة بيانات تحوي أصحاب الكفاءات وتبادر بالتواصل معهم.

الدعم المالي. كلما كان إيراد المؤسسة الخيرية كبيرًا كان تحقيق الآمال والنفع أكبر. وعلى أهل الخير ورجال الأعمال ألا يبخلوا بعطائهم. ما عادات الأرقام القليلة تكفي لتحقيق الطموحات. وعلى الجمعيات أن توجد موارد ثابتة بأعمال استثمارية. في القطيف هناك وقف صدقة جارية قيمته 25 مليون. وفي سيهات مشروع سكني استثماري «الكريم» بقيمة 70 مليون ريال. وعلى الناس أن يساهموا في هذه الأوقاف الخيرية. نحن ننفق على الأعمال الدينية بسخاء في بناء المساجد والحسينيات وهذا مطلوب، ولكن لا ينبغي أن نقتصر في عطائنا على هذه الجوانب ونغفل الجوانب الإنسانية.

تشكل الأوقاف على الأعمال الدينية في القطيف والأحساء نسبة 75% والباقي على الأعمال الخيرية والذرية. عند البحث نجد أن أوقاف الأئمة كلها في الصدقات، نادرًا ما تجد وقفًا لأمر عبادي أو شعائري. الباحث الدكتور عبدالله الحجيلي له كتاب بعنوان الأوقاف العلوية. أوقاف الخليفة الراشد علي بن أبي طالب في منطقة المدينة المنورة. وكان ما أحصاه 320 وقفًا، كلها صدقات.

المحور الثالث: نحو مؤسسات خيرية تخصصية.

مجتمعنا كان سباقًا في تأسيس الجمعيات الخيرية وأول جمعية خيرية في المملكة كانت في سيهات. لكننا الآن بحاجة إلى مؤسسات خيرية في جوانب مختلفة، بيئية، اجتماعية، ثقافية، صحية. ومن الأمور التي نحتاجها وأركز عليها بشدة:

#0054ba ;">الأولى: مراكز مكافحة المخدرات. ما نسمعه يدل على أن هناك خطرًا يتهدد ويستهدف أبناءنا، ومجتمعنا. فالمخدرات تفتك بالفرد وتقوده للإجرام. نعم هناك جهات رسمية لمكافحة المخدرات، لكن هذا لا يغني عن وجود جمعيات متخصصة أهلية. علينا أن ننقذ من تورط في هذه المشكلة. نحتاج جهدًا أهليًا ويقظة أسرية. كلما جلست مع مسؤولين في هذا الجانب يصيبني قلق شديد على شبابنا. سيما مع وجود أنواع جديدة سهلة الصنع تسمى الشبو أو الكريستال، وتباع بسعر أرخص.

#0054ba ;">الثانية: المصحات النفسية. حيث أصبحت تنتشر لأسباب متعددة. ومع وجود مستشفيات متخصصة لكن التطوع في هذا الجانب مطلوب. تزايد عند أبناء المجتمع مشكلة الخوف، القلق، الاكتئاب ومحاولات الانتحار. في جمعية القطيف لجنة أصدقاء تعزيز الصحة النفسية، راجعهم في العام الماضي 1000 مريض.

#0054ba ;">الثالثة. الجمعيات النسائية. المرأة يجب أن تأخذ دورها في المجتمع وتشارك في تحقيق التطلعات، ولا بد أن تنخرط في العمل التطوعي بشكل أبرز.

العوامية