القضية الأبرز في تاريخ المسلمين تفتقر للدراسات والأبحاث
تحت عنوان آفاق البحث والإلهام في السيرة الحسينية ابتداء سماحة الشيخ حسن الصفار أولى محاضراته العاشورائية لهذا الموسم 1440 هـ مقسمًا بحثه لثلاثة محاور:
هناك أحداث متميزة خالدة في المجتمعات البشرية بعمق تأثيراتها وسعة انتشارها في رقعة واسعة من الزمان والمكان. وتعتبر ثورة الحسين أبرز حدث ترك تأثيرات في مجتمعات الأمة الإسلامية فلأكثر من أربعة عشر قرنًا والاحتفاء بذكرى هذه الثورة المجيدة يتجدد كل عام في رقعة بشرية هائلة في شتى بقاع العالم. والشيعة إذ يحتفون بهذه المناسبة ليس لأنها موروث تاريخي وعادة اجتماعية، إنما ينطلقون من توجهات دينية توصي بإظهار الولاء لأهل بيت النبي ﷺ.
ومن المعلوم أن الشيعة واجهوا اضطهادًا وتضييقًا واحتفاؤهم بهذه المناسبة يعزز انتماءهم وينقل هذا الولاء للأجيال، ويحفظ تلاحمهم الداخلي، وقد حققوا بذلك مكاسب كثيرة ولا يزالون.
الصورة التاريخية التي دونت عن هذه القضية البارزة في التاريخ الإسلامي جاءت من خلال ظروف صعبة. فالأمويون من أجل أن يعتموا على جريمتهم النكراء عمدوا إلى تشويه هذا الحراك والتعتيم عليه، فلم تكن هناك فسحة لتدوين أحداثها، إضافة إلى توالي سلطات أخرى عمدت إلى ذات الأمر. فهناك حصار وتشويه للحادثة، ومن ذلك فلا بد أن يكون هناك تحريفات فيما نقل عن الحادثة، وأمام هذا الكم من المرويات كيف يكون التعامل والتعاطي معها؟
برز هناك 3 توجهات:
الأول: الاتجاه التقليدي. يطالب بالحفاظ على الصورة المتداولة في كل مجتمع. فلا داعي لفتح باب النقاش والتحقيق في التفاصيل، فهي قضية غير عادية، وبطلها إمام معصوم، وهناك تدخل غيبي فيها، ولا داعي بأن نشغل الناس عن إحيائها بالخوض في نقاش تفاصليها.
الثاني: اتجاه غير ديني. يترصد أي فكرة ونقطة ضعف حتى يبرر أن الحالة الدينية لا تقوم على العقل، فيرفض الكثير من المرويات دون الاحتكام للضوابط العلمية والرؤية الشرعية.
الثالث: اتجاه البحث والتحقيق العلمي الموضوعي. كثير من القضايا التاريخية كتبت بعد وقوعها بسنوات أو قرون، فتدوين السيرة النبوية بدأ في القرن الثاني، وقضية الإمام الحسين كتبت كذلك بعد مقتله الشريف بسنوات، فمن الطبيعي أن يضاف لها وينقص منها فلا بد من التمييز والتحقيق، تمامًا كما يهتم العلماء بالمرويات الفقهية.
نحن الآن أمام تساؤلات داخلية وخارجية ولا بد من الإجابة عليها، وإلا ترك الآمر لمن هم خارج الدائرة ليشوهوا الصورة ويضعفونها. ونحن نلحظ تصيد الآخرين على ما يعرض في القنوات الشيعية لأي أمر يرونه مخالفًا للعقل والمبادئ الدينية.
ولا شك أن الواجب يحتم على الواعين الدفاع عن معتقداتهم وآرائهم، وإبراز الصورة المشرقة لأهل البيت.
هناك دراسات بذلت تجاه القضية الحسينية ولكنها فردية، ومن أولئك المحققين: السيد عبدالرزاق المقرم في كتابه مقتل الحسين. والشيخ محمد مهدي شمس الدين وكتبه: ثورة الحسين ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية، أنصار الحسين الرجال والدلالات، وثورة الحسين في الوجدان الشيعي. ومحاضرات الشهيد الشيخ المطهري دونت في كتاب الملحمة الحسينية وكذلك الشيخ باقر شريف القرشي.
إضافة إلى الدراسات الفردية نحن بحاجة إلى مراكز أبحاث تعنى بهذه القضية الكبرى. فمن الغريب أن قضية بهذا الحجم ليس لها مما يرصد من ميزانيات مالية نصيب وافر! أموال كثيرة تبذل في إحياء هذه المناسبة المباركة ولكن ما يبذل منها للدراسات لا يكاد يذكر. الشيخ المحقق الكرباسي أسس المركز الحسيني للدراسات في لندن وخطط لكتابة دائرة المعارف الحسينية في 500 مجلد، صدر منها للآن 105 مجلدات، لكن هذا المركز يشكو من التمويل السخي الذي يحقق إنجاز الخطة المرسومة. وهناك كذلك العتبة الحسينية للدراسات، وسلسة مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة لمجموعة مؤلفين. ودار الحديث للري شهري.
لكن هذه المراكز تحتاج إلى دعم واهتمام، إضافة إلى أن كل دراسة تواجه الممانعة من التيار التقليدي يصل الأمر إلى التكفير والتفسيق سيما إذا كان التحقيق في قضية يعتبرها الناس من المسلمات!
مناقشة الأفكار والدراسات الجديدة لا إشكال فيه فليس كل جديد قد يكون صحيحًا، ولكن مناقشتها والاعتراض عليها يكون بالدليل، لا بانتهاك حرمات الطرف الآخر والتعدي عليه.
قضية الإمام الحسين ليست مجرد قضية تاريخية أو عاطفية نمر عليها مرور الكرام. نعم أمرنا بالتعاطف والتفاعل معها ولكن ليس من أجل استدرار الدموع والتفجع فقط، بل لتكون وسيلة للإنشداد والتمسك بسيرة أهل البيت والتأسي بهم. فهي قضية ينبغي أن تكون مصدر إلهام للحفاظ على الدين ومرتكزات المذهب. هي مدرسة للقيم والمفاهيم والمبادئ. ولهذا نجد الأئمة يحثون شيعتهم على إحيائها ويفتحون مجالسهم للشعراء لإقامة الرثاء على الإمام الحسين ، حتى يلفتوا أنظار الناس واهتمامهم لهذه القضية وأهدافها المباركة.