آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 11:37 م

التعارف أساس الحوار والتفاهم

جعفر الشايب * صحيفة اليوم

يبحث الكثير من الناس عن التفاهم بين مختلف الأطراف والجماعات المختلفة عن طريق الحوار بينها كطريق للتعاون، من هنا انطلقت مبادرات الحوار في اتجاهاته المختلفة كوسيلة سلمية مثلى لحل النزاعات والتوترات والصراعات ومعالجة تعارض المصالح بين هذه الجماعات والأطراف.

ويغيب عن الأذهان في كثير من الأحيان أهمية وضرورة التعارف بين هذه الاطراف والجماعات كأساس يسبق عملية التواصل والحوار والتفاهم، فالتعارف الصحيح يعتبر مفتاحا مهما لنجاح أي عملية حوار او تفاهم. وفي كثير من الأحيان لا يعطى لعملية التعارف القيمة والاهمية المناسبة مما ينتج عن ذلك فشل للحوار او ضعف في تحقيق نتائجه.

من هنا يؤكد القرآن الكريم على أهمية التعارف بين الشعوب، بقوله تعالى «يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا»، تأكيدا على كون التعارف مفتاحا للعلاقات الإنسانية السليمة. ويشير الباحث زكي الميلاد على اولوية «تعارف الحضارات» قبل القيام بمشروع «حوار الحضارات».

التعارف الذي نحن بصدده يقصد به الانفتاح على الغير من خلال مختلف الوسائل بغرض تشكيل صورة واقعية عنه لتسهيل عملية التواصل والتفاهم، لانه بذلك يساهم في تحقيق الائتلاف والاستقرار والسلم ونبذ الخلافات وتقليل الصراعات. فبسبب عدم التعارف او غيابه وضعفه تتولد لدى كل طرف صور نمطية مشوهة وغير دقيقة عن الاخر، وفي ظل التنافس والصراعات يتم عادة إحداث عمليات تشويه متعمدة وإلصاق تهم عدائية ضد الاخر المختلف وتصيد الاخطاء لديه.

من هنا تكون عملية التعارف هي الحصن الواقي من كل هذه التبعات، وهي السبيل الانجع للفهم الصحيح والسليم ولبناء علاقة بناءة. يحدث في كثير من الأحيان ان عملية التعارف لا تتشكل لدينا بصورة طبيعية وسليمة بحيث نتخلص من الصور النمطية التي رسمناها مسبقا، ونتعرف على مختلف الاطراف بصورة حيادية بعيدا عن رغباتنا وعواطفنا.

المشكلة الأكبر ان تعريف الاخر لا يتأتى عن طريقه ومن مصادره، اي انه لا يعرف ذاته بالصورة التي يريد ويرغب، وانما يكون التعريف بما يكتبه او يرسمه عنه غيره، وهذه اشكالية منهجية كبيرة تجعلنا ندور في تصورات لا تقدم لنا معلومات او صورا سليمة عن الاخر تساهم في التعريف به والتواصل معه.

عشت قبل فترة قصيرة تجربة حية في احد اللقاءات التي نظمها منتدى الحوار والثقافة والتنمية في بيروت حول أسس التفاهم بين اتباع الأديان، حيث اجتمع في اللقاء ممثلون لاديان ومذاهب مختلفة في المنطقة العربية من مسلمين ومسيحيين بطوائفهم المختلفة وايزيديين، ولعلها كانت المرة الأولى بالنسبة لي ان اتعرف عن قرب على مختلف هذه الاديان والمذاهب وبصورة مباشرة من اتباعها انفسهم.

الأجمل من كل ذلك هو الشعور بالمساحات الكبيرة المشتركة وبالرغبة في التفاهم والتواصل البناء القائم على الاحترام المتبادل والرغبة في حماية السلم الاهلي والبناء المجتمعي القائم على احترام التعددية والتنوع. نحن بحاجة الى المزيد من لقاءات وجلسات التعارف التي تقود بشكل طبيعي الى تواصل بناء وفعال وايجابي.