آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

لا تستسلم للفشل

عبدالله الحجي *

كثير مايُستشهد بالعالم توماس أديسون ومحاولاته التي وصلت الألاف لاختراع المصباح الكهربائي ولم ييأس ولم يستسلم من أول محاولة ولا عدة محاولات لاحقة. ليس هو المثل الوحيد بل الحياة مليئة بالأمثلة والنماذج المحفزة التي يقف لها الإنسان إجلالا وتقديرا لما تملكه من عزيمة وإرادة وإصرار لمواجهة التحديات والصعوبات.

لنقف مع قصة الملياردير الصيني «جاك ما» صاحب شركة «علي بابا» الصينية العملاقة للتجارة الالكترونية الذي أصبحت قصة حياته تمثل مصدر إلهام لملايين الشباب حول العالم بسبب النجاح الباهر الذي حققه بجده واجتهاده في مواجهة قسوة الحياة وتحدياتها. لقد ولد في أسرة فقيرة ورسب مرتين في المرحلة الابتدائية وثلاث مرات في المرحلة المتوسطة. وعندما كان عمره 12 سنة كان يعمل مرشدا سياحيا مجانا من أجل أن يمارس ويطور من لغته الانجليزية واستمر لمدة 8 سنوات بالرغم من بعد المسافة من منزله والتي كانت تستغرق 40 دقيقة بالدراجة. فشل مرتين في امتحان القبول لدخول الجامعة، تقدم لثلاثين وظيفة فرُفض، وكما يروي فقد تقدم لمطعم الوجبات السريعة «KFC 24» شخص فقبلوهم إلا هو، وتقدم للشرطة خمسة أشخاص قُبل منهم أربعة ماعدا هو. بعد التخرج مارس مهنة تعليم اللغة الانجليزية لمدة خمس سنوات براتب لايزيد على 15 دولارا أمريكيا شهريا واستمر حتى أسس موقع علي بابا وأصبح أحد أثرى أثرياء العالم ولم يستسلم للفقر ولا كثرة الرسوب والتحديات التي واجهته في الحياة.

والمثال الآخر يتحدث عنه جاك كانفيلد قائلا عندما كان هو وزميله مارك هانسن يبحثان عن دار نشر لنشر كتابهما «شوربة الدجاج للروح» لم يجدا دار نشر تقبله. واغتنما فرصة تواجدهما في أحد المؤتمرات حيث يوجد 4000 دار نشر. لقد عرضا الكتاب على 144 منهم ومع نهاية اليوم الثالث قبلت إحدى الدور القيام بنشره. لقد كانت الدار تخطط لنشر عدد محدود من النسخ ولكن طموحهما كان عاليا يصل إلى المليون نسخة في السنة الأولى مما جعل الناشر لايتمالك نفسه من الضحك. لقد حقق هذا الكتاب نجاحا باهرا وطبع منه ملايين النسخ وترجم إلى عدة لغات كل ذلك بسبب عدم اليأس من بداية الطريق والاستسلام بل تجاوزت المحاولات المائة.

وكم يوجد من النماذج من ذوي الاحتياجات الخاصة التي لم تمنعها الإعاقة يوما ما من تحقيق أحلامها وتسجيل نجاحات لم يحققها غيرهم من الأصحاء كل ذلك بمسح كلمة المستحيل من قاموسهم وعدم الاستسلام للفشل. كل إنسان ينتابه الشعور بالفشل عندما يخفق في تحقيق هدف من أهدافه وتختلف طريقة التفاعل معه من شخص إلى آخر، منهم من يستسلم من أول مرة ويصاب بالإحباط وخيبة الأمل ويتخذ قرارات سلبية تحطم حياته وحياة من يعيش من حوله ويجعل أمامه صورة سوداوية تلقي بضلالها على كل شئ يريد عمله. إنها جريمة كبرى يرتكبها في حق نفسه التواقة إلى النجاح. فعندما يتقدم إلى امتحان ما أو مسابقة ويفشل يصاب بالاحباط ويتوقف من أول مرة وإن كان ممن يملك شيئا من العزيمة والإصرار يحاول مرتين أو ثلاث مرات وبعدها يصاب باليأس ويغلق الملف. وكذلك الحال فيمن يبحث عن وظيفة يتقدم لعدد محدود من منظومات العمل وبعدها يستسلم ويجلس في داره. وآخر قد تواجهه مشاكل وتحديات عائلية أو مهنية أو اجتماعية يحاول التكيف والتعايش معها ومعالجتها ولكنه لايتجاوز عددا محدودا جدا من المحاولات وبعدها ينفذ صبره ويتخذ قرارا قاسيا يكون له انعكاسات سلبية على مستقبله وربما يشمل المحيطين به. وآخر قد يبدأ مشروعا تجاريا تواجهه بعض العقبات والخسائر في بدايته فيحكم على نفسه بالفشل وأنه غير كفء أو أهل لذلك.

الاستسلام للفشل يحرم الشخص من الكثير من الفرص الموجودة والثمار التي يمكن جنيها والأبواب الكثيرة التي يمكن الدخول منها عند إغلاق أحد الأبواب. الفشل ليس عيبا وهو ليس نهاية الطريق بل أن كثيرا من العظماء لم يصلوا إلى ماوصلوا إليه من النجاح إلا بعد خوض مراحل متعددة من الفشل أو التجارب بمختلف مستوياتها. يقول سقراط «السقوط ليس فشلا ولكن الفشل يأتي عندما تبقى حيث سقطت». الفشل هو بداية طريق النجاح ليستفيد الإنسان من تجاربه وأخطائه السابقة التي أدت إلى الفشل مع إدخال الإجراءات والتعديلات اللازمة، ويحاول مرارا وتكرارا بلا ملل ولا كلل حتى يصل إلى مبتغاه وإن كانت المحاولات بالعشرات أو المئات. كما يحتاج الإنسان أن يكون إيجابيا ويتحمل المسؤولية ويبتعد عن جلد ذاته، ولايلقي باللوم والعتاب على الآخرين، ولايكثر من الشكوى بل يعمل بجد ومثابرة متحررا من قيود الخمول والكسل والتشاؤم والإحباط. ليس شرطا بأن يكون الفشل أو الإخفاق سيئا بل ربما يترتب عليه مصلحة وحكمة إلهية لخيار آخر هو أكثر نفعا، أو يكون من باب البلاء والامتحان من الله جل وعلا فعليه التحلي بالصبر والتفاؤل والاستعانة بالله والثقة به والتوكل عليه وإن تطلب الأمر عدم الاستسلام وتكرار المحاولات مرارا وتكرارا. يقول هنري فورد: «الاستسلام هو الفشل الحقيقي في حياة الإنسان»، ويقول ونستون تشرشل: «النجاح هو الإنتقال من فشل إلى فشل دون أن تفقد حماسك».