دوائر الحياة
هل لاحظنا أن حياتنا مليئة بالدوائر بل ربما هي ذاتها كانت دائرة! نأتي إلى الدنيا صغاراً نستغيث بمن حولنا لا نستطيع العناية بأنفسنا، لا نعلم شيئاً مما حولنا. تتراكم أرقامُ السنين ونحن نمشي على محيط الدائرة حتى نعود إلى النقطة ذاتها، لا نستطيع العناية بأنفسنا ولا نعلم شيئاً ثم نسقط من الدائرة. في حياتنا دوائرَ من الحب والكره والسفر والرجوع والفرح والبكاء والفقر والغنى، دوائر كثيرة العدد.
في طول تلك الحياة ننظر من حولنا نرى القمر يبدأ صغيراً ثم يكبر ويكبر ويعود صغيراً كما كان. ليس القمر فقط، ولكن درسنا في مادة الفيزياء أن جميعَ الكواكبِ تشبه الدائرة تدور حول محيطها أو حول نفسها وغيرها في قوى جاذبةٍ وقوى طاردةٍ توازن دورتها في المكان والزمان، كل الأشياء في الحياة دوائر. هل تذكر جارك الفقير الذي أصبح غنياً وهل تذكر ذاك الغني الذي صار فقيراً. كلهم إن طال بهم الزمنُ عادوا لما كانوا. ليس البشر أفراداً بل دول كانت غنيةً وأصبح الفقر يرهقها ودولٌ كانت تستعطف جيرانها اليومَ تضحك من تلك الأيام التي سلفت. الأمنُ في دوائر، شعوبٌ كانت تحسب أنها في أمان أنزل بها الدهر ما لم تره من قبل. إن طال الزمان بها سوف تنظر حولها وتقول ذوقوا ما ذقنا.
دوائر مجنونة لا يمكن التملص منها مثل الحياة والموت ودوائر يجب أن نقاومها كي ننبعثَ في خط مستقيم. ليست الدائرة سوى خطوط مستقيمة ونقط متناهية ارتصت في محيطِ 360 درجة. نقاوم المرضَ ونفعل القوى الطاردة التي أعطانا إياها الرب والشيخوخة والعجز. مالا يمكن دفعه يمكن تأجيله كلما شاء القدر. في كُلِّ محاولات الهروب من الدائرة علينا كأمةٍ الهرب من لعنةِ التاريخ التي تعيدنا إلى نفس النقطة على المحيط. علينا أن نحول القوة الطاردة الجماعية منبعثةً في خط مستقيم ونثر بذور المستقبل في كُلِّ أرض تقبلها. نطمر سواقيَ وروافد الجهل التي تأخذنا إلى خلجانِ الموت الجماعي.
نقاوم الفقر ”هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ? وَإِلَيْهِ النُّشُورُ“، أوامرَ وعد اللهُ بتحققها لتحاشي دائرة الفقر، لابد أن تخرج من القوة إلى الفعل. نقاوم دوائرَ الكرهِ والحربِ والموتِ والدمار التي تقبض على أرواحنا. يأتي يومٌ تخور فيه قواي وقواك وينحني الخطُّ المستقيم في دائرةِ العودةِ ونقول آخرَ كلماتنا على الأرض، لا ضيرَ تجري الرياحُ بما لا تهواهُ سفننا. ولكن تبقى محصلةُ المجتمعِ والأمة في خَطٍّ مستقيمٍ يأخذها إلى ما لا نهايةَ من الآمالِ تحيل عالمنا الكبير جنة فردوس، إن ماتَ انبعث مرةً أخرى في عنفوانِ شبابه. لا تمتاز أمةٌ عن أمةٍ إلا بما رسمت لها من نقطةٍ تصلها ثم ترحل عنها في العلو في خطوطٍ مستقيمةٍ تقاومُ الانحناءَ والاعوجاجَ ويقول لها الزمانُ والمكانُ لكِ ما شئتِ من العلو والرفعة.