الصدقة الجارية.. ذلك الحبل الممدود
يبحث الإنسان عن موقف يقفه أو عمل يقوم به ليخلد ذكراه من بعده، تلك الذكرى الحسنة الجميلة التي تمده بنفحات رحمانية عطره وأنوار قدسية مضيئة لتسكن تلك الروعة وتؤنس تلك الوحشة حيث يقيم في مثواه الأخير، لينتظر بدوره متى ينفخ في الصور متى يحشر الناس إلى ربهم ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يرى ومن يعمل مثقال ذرة شراً يرى.
والى ذلك الموعد يبقى الإنسان أسير عمله في قبره وهو يجيل بصره في لحده وفي ذهنه كثير من التساؤلات والاستفهامات عن تلك النومة التي لم يعهدها في سني عمره حيث الحياة الدنيا، وهذا التراب الذي يتوسده وعن هذا المنزل الذي يقيم فيه.
وقد رأى كثيراً من الناس من أقارب وأصدقاء وجيران قد شيعوا وألحدوا في هذا المسكن الجديد، ولكن لم يتخيل يوماً ما كيف سيكون موقفه حينما يكون هو المشيع وهوا المودع وهوا الذي قد انقطعت به السبل في أحوج ما يكون أليها، ولكن ما قيمة ذلك ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾.«سورة ص 3».
وما قيمة الحزن والأسف ﴿حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾.[سورة المؤمنون 99 - 100].
وتزداد الحسرة وتلتهب نيران الضمير ويتعالى صراخ الجوارح التي ضيعها الإنسان بسوء فعله، تلومه لماذا ضيعها ولم يحسن استعمالها لما خلقت من اجله، وذلك حينما يرى غيره من المؤمنين الذين احسنوا في الحياة الدنيا يمدون أيديهم إلى الحياة الدنيا حيث لم تقطع بهم السبل بعد.
إما من كتاب علم ينتفع به وذلك بطبيعة الحال لا يتسنى لكل الناس إذ أن كتاب العلم والذي يرقى إلى هذا المستوى يتطلب جهداً كبيراً وزمنا طويلا.
وإذا ما قلنا الولد الصالح أيضا هذا ليس بيد الإنسان أن يحصل عليه إذ نجد البعض عقيماً ومن يرزق الأولاد لا يضمن صلاحهم إلا بتوفيق من الله ومن يضمن صلاح الأولاد قد لا يستمر بذلهم له والإستغفار من اجله، وذلك بعد طول العهد وتتابع البُعد.
فتبقى الصدقة الجارية الأمل الأخير للإنسان بعد رحمة الله سبحانه وتعالى، والذي قد يكون بوسع الجميع أو الأغلب من المشاركة به، ولا نعني بضرورة الحال أن يكون لكل منا صدقة جارية خاصة به من وقفٍ ونحوه، إذ هذا أيضا لا يتاح لكل الناس ولكن المشاركة الجماعية هي السبيل الأضمن الذي يتاح لمعظم الراغبين في جني هذه الثمار، ثمار الخير مما غرسوه وسقوه بكفاحهم وإخلاص نياتهم وكما نعلم أنه لا بخل في ساحة المعبود.
وفقنا الله وإياكم لصالح القول والعمل،،