هل تحول الحوار الوطني إلى ظاهرة صوتية؟! «1 - 2»
نشر د. غازي القصيبي يرحمه الله مقالاً في جريدة «الوطن» قبل سنوات، حمل فيه بأسلوبه الناعم على من وصفهم - وقتذاك - بالحالمين الورديين، ممن كانوا يتوقعون أن تتحول توصيات ملتقى الحوار الوطني، إلى آلية تطبيق ساحرة تحول الرمل إلى ذهب! مستعرضاً إنجازات أول ملتقيين منه، في محاولة ردم الفجوات الهائلة، في جغرافيتنا الاجتماعية والثقافية.. عبر تعانق أشخاص كان من المستحيل جمعهم إلى طاولة واحدة! وطلب منا نحن أصدقاء الحوار، لا أعداءه، ألا يهيمن فوق رؤوسنا خطر التوقعات الجامحة.. بنظرتنا إلى مركز الحوار جهة وحيدة، لحل قضايا اجتماعية تراكمت في المملكة لعقود.
أتذكر أنني رددت عليه بمقال، اعتبرت فيه مؤاخذته صحيحة لو انتهت قناعات الحالمين إلى استنفاد مركز الحوار من غرضه! إلا أن معظم من تناول نشاط الملتقيين الأوليين بتقييم أدائه - وأنا منهم - رأى في مكنة المركز أن يلعب دوراً محورياً، في تمثل ثقافة الحوار وقيم التعايش بعد إشاعته، هذه الأخيرة اعتبرها د. غازي ركيزة أساسية في فعاليات مركز الحوار! في حين كان عليه بعد عقده عدداً من الملتقيات، ناقش المدعوون إليها كثيراً من عوائق التعايش الوطني، بتحويل توصيات ملتقيات الحوار، إلى برامج عمل وسياسات وطنية، يرى المجتمع مفاعيلها في الواقع الملموس.
فهل يعقل أن تنحصر مهمة المركز في تبني ثقافة الحوار وحدها.. وإلى متى؟! أم أن متطلبات المرحلة المتسارعة عالمياً وإقليمياً ومحلياً، هي العمل الحثيث على نقل روحية التعايش، إلى مؤسسات المجتمع والدولة في قطاعاتهما المختلفة، ضمن استراتيجية وطنية إصلاحية تتبناها الدولة، بوصفها القادرة وحدها - حتى الآن مع غياب المجتمع المدني - على فرض الحقائق الجديدة في المجال العام.. ذلك أن ولادة مبادرة الحوار الوطني نفسها، لو لم يتبنّها رائدها الأول الملك عبدالله يرحمه الله بحماسه المعهود، حينما كان ولياً للعهد، لأصبحت واحدة من الأماني والأحلام، التي طالما تطلع إليها مثقفو المملكة منذ وقت طويل، دون أثر لها بين مكونات المجتمع.
ما أريد قوله إن توقعات المواطنين من مجلس أمناء المركز وأمانته العامة كانت كبيرة.. لأن مشكلاتنا المعلقة واحتقاناتنا المزمنة منذاك كثيرة.. وما يحدث في المملكة اليوم من إجراءات إيجابية، يتبناها الملك سلمان وولي عهده، هو بمثابة تسديد فواتير تأخرنا كثيراً دون الوفاء باستحقاقاتها، بسبب هيمنة ثقافة الصحوة وخطاب التشدد، الذي تعهد ولي العهد مؤخراً بالقضاء على أسبابه ومعالجة إفرازاته.. فأصبحنا في الأيام الأخيرة، نرى وتيرة الإصلاحات متسارعة في أكثر من مجال، بفرض حقائق موضوعية جديدة في المجتمع بقوة القرار السياسي..
فمثلاً ينتظر المواطنون والمواطنات، بعد أيام موعداً حالماً طالما ناقشوه، بين أروقة جلسات مركز الحوار دون أن يروه ماثلاً للعيان، إذ سيشهد العالم - للمرة الأولى - المرأة السعودية وهي تقود السيارة في بلادها.. فلولا القرار السياسي.. هل كان ممكناً أن يحدث هذا، وقد جرت حوله من قبل سيول من الحوارات استمرت لسنوات في المجالس العامة، ومع كبار المسؤولين في لقاءات خاصة، وأحياناً نقاشات مجلس الشورى دون جدوى!.