شيطانٌ في مسجد
فجرَ يومٍ دخل شيطانٌ مسجداً في بلدةٍ صغيرةٍ على الضفةِ اليمنى لنهرِ الفرات الأوسط. كان الناسُ نياماً ولم يسأله أحدٌ لماذا شيطانٌ يدخل المسجد. نام الشيطانُ عند اسطوانة ولم يكن يرغب في الصلاة. أستيقظ كُلُّ البشر المؤمنون قبيل فجرِ تلك الليلة وقصدوا ذاك المسجد. كان المسجد بمساحةٍ واسعة بناه آدم وأعاد إعماره نوحٌ بعد طوفان السفينة.
انزوى المؤمنون ناحيةَ محرابِ الصلاةِ يسكبون أنفاساً حارةً تنبعث من داخلهم، طلع الفجر أم لم يطلع حالاتٍ تحسبهم فيها غرباء عن هذا العالم! خاف الشيطانُ إن أكملوا صلاتهم في المحرابِ أن ترتفع ترانيمهم لعناتٍ وسيوفاً تبضع جسده. عزم على قتلهم بحديدةٍ أخفاها تحت ثيابه. كبر الناسُ كلهم فأرسلت حيطانُ المسجد نداءها اللهُ اكبر. قرأوا الفاتحةَ وسورة فبكت الحيطانُ وأعادت الصدى الحمد للهِ رب العالمين.
انتفضَ الشيطانُ وقال متى انتظرتُ حتى الصباح فضح سكونُ الليلِ ما أنوي. مشى مثل ذئبٍ وفي سجدةٍ كان المؤمنونَ فيها في أعلى مراتبِ الروح وأدنى مراتبِ الجسد أخرج الحديدةَ من تحت ثيابه وأصاب المؤمنين في أعالي الرأس. استيقظت أسرابُ الحمامِ وطارت، جاء صوتٌ من الأعالي لقد أصابَ الشيطانُ هدفه وسَرَقَ الثعلبُ كُرومَ الفقراء.
رفع القرآنُ صوته ﴿مِنْ أَجْلِ ذَ?لِكَ كَتَبْنَا عَلَى? بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ? وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَ?لِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ”. ثم أعادَ“ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾.
كان عليٌّ بن أبي طالب يؤمُ المسلمينَ في صلاةِ الفجرِ في مسجدِ الكوفة ليلة التاسع عشرة من شهر رمضان، وفي أثناء الصلاة ضربه عبد الرحمن بن ملجم بسيفٍ مسموم على رأسه، فقال ”فزتُ ورب الكعبة“. حمله الناسُ على الأكتافِ إلى بيته ولم يكن همه سوى العفو: ”أبصروا ضاربي أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي، النفسُ بالنفس، إن هلكت، فاقتلوه كما قتلني وإن بقيت رأيتٌ فيه رأيي“ ونهى عن تكبيله بالأصفاد وتعذيبه. جيء له بالأطباءِ الذين عجزوا عن معالجته وظل السمُّ يسري في جسده إلى أن توفي بعدها بثلاثة أيام ليلةَ 21 رمضان سنة 40 هجرية في عمر العطاء. لَفَّتْ الملائكةُ روحَ عليٍّ واستراحَ من الأمة ولَفَّتْ الأمةُ روحها وماتت.
قتل قابيلُ هابيل وعَلَّمَ كيف القتلة تكون من أصحاب النار، عقر قُدار ثمود وقتل ناقةَ صالح وغفا عليٌّ واستيقظت كُلُّ الشياطين التي تقتل ولا تواري سوأةَ القتيل. مات المؤمنون في ثلاثٍ ومات حلمُ الإنسانية بالعدل والرقي بين ليلةٍ وضحاها. قتل شيطانٌ أمةً وكتب في بحر الخطايا أن من أراد أن يقتل أمةً فليقتل أرومتها في الصلاة. يا علي لو كنت حياً قتلوك، لم يمت الشيطان ولم يصدأ الحديد.