الطقطقة
“الطقطقة” تعبير شائع ومألوف في معجم أهل اليوتيوب، وقبيلة تويتر، فهي تشير إلى لون من ألوان السخرية التي تنشأ على هامش الأفعال الفنية أو الاجتماعية أو حتى الرياضية، أي أن المتسيدون لها في عالم النت يتربصون بشخص ما أو فعل ما لإنتاج ما يفتح كل احتمالات الإضحاك التي غالبا ما تنشغل بصناعة المفارقات السلوكية واللغوية، وكلما كان الشخص أو الفعل خفيفا كان باب “الطقطقة” مشرعا باتجاه بحر من السخرية غير المحسوبة، والتي تجعل من “المطقطق” كائنا طفيليا ينمو على هامش الممارسات اليومية.
ولكي لا نذهب بعيدا في محاكمة أخلاقية لأرباب “الطقطقة” سنفضل أن نقف عند الذين يهبون الآخرين أسبابا صريحة للسخرية عليهم، والنيل من أفكارهم، حتى وإن كانت مقاصدهم وأفكارهم حقة ومصيبة، فهنالك من الأخطاء في عرض الأفكار ما يفقد تلك الأفكار وزنها وقيمتها، بل وينتج ردود فعل عكسية ونتائج مفارقة لمقاصد أصحابها، فطريقة عرض الفكرة هي الدليل الأول لقيمتها وحقيقتها، وسوء تسويق أفكارنا هو أول رصاصة سيطلقها الوقت باتجاه أي فكرة، ما يجعلها تترنح ولا تنال حظها في الحياة.
أقول هذا وأنا أصغي للصغار وهم يحاكون أحدهم في مشهد ينال بالسخرية من الناصحين المحذرين من مضار التدخين، كان جلياً بأن “المطقطق” قد نجح في زعزعة الفكرة التي سعى من خلالها الواعظ وهو يذكر بحرمة التدخين في لغة خشبية، وأداء رتيب، وصوت من عمق التاريخ، أقول نجح لأن التفاعل العفوي معه من قبل الصبية الصغار هو كاشف عن خطورة الاستسهال في تمرير الأفكار والمواعظ، فالاقناع يستوجب فعلا وقولا بليغين، وبلغة تستطيع أن تلامس شغاف الناس قبل عقولهم.
هذه السخرية المجانية خطر على أذواق الناس، غير أن التمرير البليد للأفكار النبيلة وفي قوالب غير ناضجة هو أخطر أيضا، أمام آلة إعلامية تمارس الإحتيال البصري واللغوي، فمن لا يحسن لغة الصورة، ولا تصاوير اللغة، هو بالضرورة غير قادر على ترك أثر والمساهمة في تغيير الواقع للأفضل، هو فقط يساهم في تقديم صورة مهزوزة لسلوك نبيل أو ممارسة صحية قد تكون سببا في نسيانها والتخلي عنها.
النوايا الطيبة وحدها لا تكفي لتوقظ المعاني التي نريد في منتوجاتنا الثقافية والفنية، كصلاة غير مكتملة الأركان، فالذي ضاع في لحظة البناء كاف ليضيع كل قيمة مذخرة من هذا الدرس أو ذاك ، حتى لتود بأن هنالك من يحمي الأفكار العظيمة من المبادرات الرخيصة!.
والسلام