بوشكين.. ومنتخبنا في روسيا!
قريباً ستشهد موسكو تظاهرة عالمية كبرى، بمناسبة إقامة نهائيات كأس العالم فوق ملاعبها، بمشاركة الدول المرشحة للمشاركة فيها، ومن بينها المملكة بمنتخبها الوطني، حيث سيكون لاعبوه محط أنظار العالم برمته، فيا ترى هل أعددنا العدة المناسبة، لاستقطاب الأعين والمملكة بدا حضورها السياسي والاقتصادي - مؤخراً - لافتاً في المجتمعات العالمية، مما يحتم علينا عرض ما تنتجه عقول طاقاتنا الوطنية، في كل مجال من مجالات العلوم والثقافة والفنون، خاصة وأن الشعب الروسي الذي سنذهب إليه، يحتفظ بصورة إيجابية، عن الحضارة الإسلامية والثقافة العربية، كان لحركة الاستعراب الروسي إبان المرحلة السوفييتية دور إيجابي في نسج تلك الصورة البهية.
فمن يقرأ - مثلاً - كتاب كراتشوفسكي عن «الأدب الجغرافي عند العرب» وقد ألفه في الربع الأول من القرن العشرين، سوف يدهشه تتبع هذا العلامة الروسي، لأدب الرحلة وعلم الجغرافيا في تراثنا، تتبعاً دقيقاً صاغه بأسلوب سردي جميل.. ما أظن أحداً غيره في هذا العصر، أنجز ما أنجزه، بمحبة فائقة للعرب ودورهم الحضاري.
لم يكتف الرجل بهذا.. فله أبحاث عن أدب السيرة والرواية التاريخية، وكذلك اشتهر بمراسلاته مع رواد النهضة العربية.. أمثال محمد كرد علي وطه حسين وأمين الريحاني.
هل جاء اهتمام كراتشوفسكي بجغرافية العرب وثقافتهم على هذا النحو من فراغ؟!
كلا.. فقد تفتحت عيناه والعرب والإسلام ملء السمع والبصر، في الأوساط الروسية، بعد ما نقل مسلمو الاتحاد السوفييتي إليهم، ثقافتهم الدينية وإنجازات العرب والمسلمين، في مجالات العلوم الدينية والإبداع الأدبي.. وكان بوشكين شاعر الأمة الروسية ذو الجذور النوبية! في العهد القيصري، متصلاً بالقرآن الكريم، والأساطير العربية.. ومن يقرأ شعره فسوف يكتشف هذا واضحاً جلياً.. خاصة في رائعته الشعرية المنبهرة بشخصية نبينا العربي محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والسلام، حيث استشف بوشكين فيها، سورة الحجرات ببراعة فنية مدهشة.. كذلك فإن تولستوي روائي روسيا الكبير، ومبدع الرواية الخالدة «الحرب والسلام» قد تشرب هو الآخر محبة العرب واحترام نبيهم العظيم، من مطالعته لشعر بوشكين وأدب ليرمنتوف، لذا تجده في أحد كتبه معظماً النبي محمد ومعجباً بتعاليم الإسلام، مراسلاً حول ذلك العلامة المصري الشيخ محمد عبده.
هذا وقد اهتم مستعربو الدولة السوفييتية بالتاريخ الحضاري العربي والإسلامي، وكذلك التاريخ العربي الحديث، وما كتاب لوتسكي عن «تاريخ الأقطار العربية» إلا شاهد على ذلك، رغم تمثله التحليل الماركسي، في دراسة أحداث العرب الاجتماعية والسياسية في العصر الحديث، إضافة إلى اهتمامهم بالأدب العربي المعاصر.. شعراً ومسرحاً ورواية.. فقد ترجموا إلى القراء الروس نماذج منها؛ عبر دار التقدم.. وكذلك قام - إذ ذاك - المستعرب أنس خالدوف بتأليف معجم من جزءين ضخمين عن «المخطوطات العربية» في الحديث النبوي والفقه والتصوف والآداب، وكانت متناثرة في مكتبات الجمهوريات الإسلامية ومساجدها، حيث تعرض كثير منها للتلف والضياع، عندما حول القمع الديني أيام المد الماركسي، المساجد إلى مسارح ومراقص! ومن قرأ رواية «بخارى» لصدر الدين عيني الصادرة - وقتذاك - سوف يلمس إصرار مواطني الجمهوريات الإسلامية، على انتمائهم الديني وتمثل ثقافتهم الإسلامية، عبر تلقي التعليم العام في نظام الحلقات!.
هذا الإصرار هو الذي جعل الشعب الروسي، ينظر إلى الثقافة العربية والإسلامية بإعجاب، انعكس في اهتمامه بما يجري في العالم العربي، خاصة مصر بحكم ارتباطها القوي بموسكو أيام الحكم الناصري.. وقد أخبرني عثمانوف الباحث في الأدب التونسي - ذات مرة - بأن مواطنيه في موسكو، عندما عرضت عليهم بعض الأفلام المصرية المدبلجة في الستينات، كان بعضهم يبكي تأثراً بالمشاهد الرومانسية فيها!.
أما على صعيد العلاقة السعودية السوفييتية إبان رئاسة ميخائيل غورباتشوف، فقد شهدت تبادلاً تجارياً وتواصلاً ثقافياً، وجدنا إثرها تردد الباحث التاريخي المعروف الكسي فاسيلييف على زيارة المملكة، ليؤلف كتابه عن الملك فيصل، بعد كتابه الشهير عن المملكة.
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، تعمقت علاقة روسيا بالمملكة، رأيناها في السنوات الأخيرة، تتطور في مجالات متعددة من التعاون.. وعلى الصعيد الثقافي أتذكر أنني حضرت قبل سنوات معرض روائع المملكة في قاعة متحف «الارميتاج» ببطرس بيرغ، فهالني إقبال من بقي من مستعربي الروس ومثقفيهم.. على مشاهدة معروضاتنا الآثارية بإعجاب منقطع النظير.
إننا نتطلّع أن وزارة الخارجية ووزارة الثقافة والإعلام والهيئة العامة للرياضة، تسارع بإعداد برنامج ثقافي حافل، يقدم صورتنا السعودية الجديدة في مجالات التنمية الوطنية المختلفة؟!
أتمنى ذلك حتى يرى الروس والعالم ما تبدعه عقولنا، قبل الالتفات إلى مهارات أرجلنا في رياضة القدم، وغيرها من الألعاب الأخرى.