السفارة في أرض مسروقة!
الرفض السعودي الذي أوضحه وزير الخارجية، في قمة أسطنبول الإسلامية يوم الخميس الماضي، ضد نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والتأكيد أن ذلك يمثل انحيازاً ضد المصالح الفلسطينية.. يندرج في سياق تاريخي سعودي متسلسل، منذ نكبة فلسطين حتى أحداث غزة الأخيرة، ارتكبت الدولة العبرية خلاله من الجرائم، ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، ما يندى له جبين الإنسانية.. هذه التي خاطبها ممثل فلسطين في مجلس الأمن، أن عليها أن تخجل من نفسها، أمام ما ترتكبه حكومة نتنياهو كما ارتكب أسلافه، من انتهاكات فاضحة للقانون الدولي ضد حماية الشعب الفلسطيني، الذي يرزح تحت احتلال عنصري ظالم بغيض، منذ قامت دولة إسرائيل حتى يومنا هذا.. هو ما جعل الرأي العام يشتعل غضباً في شوارع أوروبا، بل في أميركا نفسها، عبر عنه ما جاء في نيويورك تايمز، الرافض لسياسة اليمين الأميركي المتواطئ مع ما ترتكبه إسرائيل من مقتلة مهولة في غزة، أصبحت بجرائمها الدموية المدانة دولياً، نمطاً ثابتاً في تعاطيها مع مطالب الفلسطينيين العادلة المسروقة أرضهم، حتى بات من يسكن بيته العريق في الضفة الغربية وقطاع غزة، مهدداً بالحصار الاقتصادي، والإرهاب الأمني، والعدوان العسكري، وطرده مما بقي لهم من مزرعة أو دار، مستغلة إسرائيل تضعضع الأوضاع العربية والإقليمية المضطربة، لفرض حقائق موضوعية في الجغرافيا السياسية الفلسطينية، مما يهدد استقرار منطقة الشرق الأوسط برمتها، كما حذر بيان قمة القدس في الظهران الشهر الماضي.
إن ما يحدث اليوم في القدس المحتلة، وغزة المحاصرة، ورام الله المهددة، يعبر عن حقيقة محتليها وأطماعهم، كما وصفهم زعيم حركة الإصلاح الديني مارتن لوثر قبل قرون في كتابه الشهير ”أكاذيب اليهود“ وهو ضمن أعمال لوثر المثبتة في مكتبة الكونجرس الأميركي، حيث اضطر اليهود بموجب النقد البروتستانتي المر لهم ولمعتقداتهم، للعيش في الغيتو الأوروبي معزولين ومقصيين!، في حين تمتع اليهود في ظل الدولة العربية الإسلامية، بتسامح غير مسبوق في تاريخ شتاتهم، حتى وصلوا إلى منصب الوزارة كابن النغريلة في قرطبة الأندلسية، وساسون حسقيل في وزارة عبدالرحمن النقيب إبان العهد العراقي الملكي.
هذا ومشكلتنا ليست مع اليهود، وإنما تكمن في عنصرية الحركة الصهيونية، التي تأسست أواخر القرن التاسع عشر في مؤتمر هرتزل اليهودي ببازل السويسرية، ولضيق أوروبا بالمسألة اليهودية، صدر وعد بلفور المشؤوم سنة 1917 م بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، خالقة بذلك مشكلة فلسطينية قبالها، عندما كان العالم العربي الخارج من ظلام الحكم العثماني، يرزح تحت هيمنة الاستعمار الأوروبي.
ولأن الغرب منح أرضاً لشعب بلا أرض، فقد استمرأ الإسرائيليون سرقة أرض فلسطين واحتلال شعبها، وما حدث مؤخراً في نقل السفارة الأميركية إلى القدس المقدسة، إلا صورة معبرة عن عقيدتهم في سرقة أراضي الآخرين، والتوطن البطيء فوقها، هو ما أوضحه المؤرخ الأكاديمي الفلسطيني د. وليد الخالدي بالأدلة القاطعة في بحث له، كنت قد شهدت ولادة بدايته، في محاضرة ألقاها قبل سنوات في الغرفة التجارية بالرياض، موضحاً ”أن 70 % من مساحة الأرض ملكية خاصة لـ 76 لاجئاً فلسطينياً، وأصبح لهم ضمن ورثتهم تسعون مواطناً أميركياً من أصل فلسطيني - ترافعوا حولها مطالبين بحقوقهم في المحاكم الأميركية - والجزء الباقي من مساحة الأرض وقف إسلامي صادرته إسرائيل العام 1948، ويبلغ مجموع عدد الورثة المالكين الأصليين لهذه الأرض، استناداً إلى قانون الإرث الإسلامي ألف وارث“.. هكذا يكشف نقاب السرقة في وضح النهار وليد الخالدي مؤلف كتاب ”أرض السفارة الأميركية في القدس.. الملكية العربية والمأزق الأميركي“!.