روائح الشهر
لا يمتثل كثيرٌ من المسلمين لأمر الصلاة أو الحج وغيرها من الواجبات والمندوبات ولكنهم يأتون طوعاً لصيامِ شهر رمضان. يستمتع في هذا الشهر كُلُّ المسلمين بدفئ العلاقاتِ مع الرب ومع الناس وتتغير فيها تضاريسُ حياتهم وعاداتهم عن بقية الشهور، كل بستانٍ وكل بلدٍ له رائحة في هذا الشهر المبارك.
يهتم الكثير بلقاء الإفطار والسحور وما بينهما من علاقاتٍ اجتماعية ومن لم يكن صائماً فالرغبةُ في لقاء احبته تناديه تَعَالَ واغتنم الفرصة التي لن تعود إلا بعد سنةٍ من الآن، فكم من البشر نام أول ليلة بانتظار الفجر والصوم ولم يطلع الفجر، وفي خضم اللقاء تحضر الطرف والنوادر. وكلما زاد هَمُّ أمةٍ زادت مساحة طُرفها ونوادرها كأنها تقول إن الفرق بين الحياة والموت ابتسامة ثغر:
أَبُثُّ على الجرحِ ملحاً رجاء يطيب الجرحْ
أو أموتَ وأقتلُ الألمَ اللعين فسيان عندي
حرقةُ الملح وعطر الياسمين
من بعض الطرف: كان عراقي لا يصوم ولكن يحرص على المشاركة في وجبتي الإفطار والسحور. يعرف أهله أنه لا يصوم وذات ليلةٍ لم يوقظوهُ لوجبة السحور. في اليومُ التالي استيقظ منزعجاً وقال لأهله بلهجتههِ العراقية ”وَلْكُمْ الصوم ما نصوم هم السحور ما نتسحر!“. يقول تركت الواجبَ وهو الصوم وجعلتموني أترك المستحب وهو السحور.
طرفةٌ ربما أيقظها الجوع فهو يعلم أنه لن تكون هناك مائدةٌ قبل غياب النهار وهو يومٌ ثقيلٌ على من لم يعتاد الصوم. كما يدعو شهر رمضان إلى التوق إلى طيب الطعام بعد طول امتناع يدعو ذائقةَ الروح إلى استعراض قوائم الرجاء والتزلف إلى الرب. في طول حياتنا يدعونا الرب إلى التحدث معه بأنواع الحديث ولكن في شهر رمضان تتنوع القائمةُ ويمتد وقت الحديث. خيمةٌ في صحراء السنة يأخذ فيها البدوي زاده ويتعرف على النجوم قبل أن يرحل.
قيل لأعرابي هل تقوم الليل قال بلى. قيل له وما تصنع؟ قال أبول ثم أنام. في شهر رمضان فائدةٌ لكل الناس، من أحب زاداً لروحه ناجاه ومن رغب زاداً لبطنه لباه. حبذا لو اتسعت فيه أرواحنا أكثر من أكراشنا وأن ما نشعلهُ في شهر رمضان من شعلةِ سلام النفس تبقى مشتعلةً دون أن تطفئها العواصف بعده.
الليلة ننظر نحو القمر كأننا لم نره قبل شهر رمضان. نراه ونسمعه بأرواحنا يقول "أيها الناس احفظوا لي حق الصوم ولا تتمردوا، في هذا الشهر آجالكم وأرزاقكمْ استنزلوهَا برفق".