إذا اشتقت إليكم!
إذا اشتقتُ إليكَ يا صديقي أُحِبُّ أن أراك. اسمع صوتكَ وأرى خطوطَ الزمنِ على وجنتيك، قصرتْ قامتكَ أم استطالتْ. أخرسَ لساني وأوجعَ أصابعي نَقْرُ كلماتٍ لأشخاصٍ لا أراهم، أفقدتني الآلة كُلَّ الإحساس. احتفظ بصورِ أصدقائي صغاراً تلاميذاً أشقياءَ ينتظرونَ الغد. عندما أراهم الآنَ لا أرى الوجوه بل الأرواحَ العاريةَ من السنين. التقيتُ صديقاً لم أرهُ منذ مدة عرفني وبالكاد عرفته. أقعدته السنون، من يراهُ يرى شيخاً كبيراً. استسلمتُ لذكراه في أواخرِ السبعينات يومَ كنا مستسلمينَ للحياةِ وتضاريسها سهولاً وجبالاً. الصديقُ مرآةُ صديقهِ الخَيِّرة يرى فيها الكمال والمرآة الشيطانية التي يرى فيها الأوديةَ المحفورة على وجنتيه. هل نظرَ إلي ورآني كما رأيته وكنا مرآةَ الحقيقة!
قال الفلاسفةُ والعظماءُ في الصداقةِ والاصدقاءِ الكثير وهي فيضُ الروحِ الإنساني الذي يجعلك قوياً حين تكون ضعيفاً وتتشبث بالحياةِ حينما تود أن تسحقها بقدميك. هي العلاقاتُ التي نرسمها في الأميالِ الأولى من رحلةِ الحياةِ الطويلة. نستنكفُ المشي جميعاً في بعضها ولكن خطوطَ الزمانِ والمكانِ المعوجة تعودُ وتتقاطع في شهوانيةِ العودةِ واللقاء.
صديقي إن احببتَ أن تعرفَ حالي اذهب الى شاطئ البحر، أغمض عينيكَ وضع يدكَ على صدرك والقِ رسالةً في زجاجةٍ بعنواني، سوف تصلني. اكتب فيها:
أتذكرُ يومَ كنا نحلةً في الربيعْ؟
نفرحُ في الشمسِ وفي قوسِ قزحْ
ونفرحُ بعد المغيب!
خيولٌ مطهمةٌ تحسبُ أن الحياةَ مدى الجري
جداولُ الماءِ سقت خطانا
وأنبتتهَا ورودَ الياسمين
بقت تنثرُ عطرها إذا عَصَفَ الريحُ أو استكانْ
هل لي أراكَ وأسرقُ في ظرفِ الزمانْ المكانْ!
أو لا تكتب شيئاً سوى الشوقَ لذاك الزمان.
إن اشتقتَ إلى تمرد على الآلة، لا تكتب لي رسالةً كتبتها لغيري. أنانيتي تقول إن لِكُلِّ رفيقٍ نَخْبٌ هُوَ مُختارٌ مِنْهُ بِعِنايةٍ. نخبٌ يكون موجوداً عندما تقول ”لا أريدُ المزيدَ من ألمِ الحياة“ ينسكبُ منهُ الصدى ”لا تيأس لديكَ صديق، ضع رأسك على كتفي لم تنتهي كُلُّ المعارك ولم تنتفي كُلُّ الأحلام“...
آخر جمعة من شهر شعبان 1439 هـ جرة. لكل أصدقائي ومن تحمل وصول ما كتبت أجمل التحايا والدعاء بكمال الروح والصحة في الجسد وأن يكون شهر رمضان القادم موعداً ينشر فيه العالمُ بساطَ السلامِ والمحبة بدلاً من نثرِ حقولِ الألغام.