آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

المصالحُ المشتركة

صغاراً لم نعرف معناً للمصالحِ المشتركة سوى ما هو لي يبقى لي وشعلةُ الذاتِ تقول أن ما هو لك لي أيضاً. لكن القطَّ والفأرَ قدما لنا درساً عملياً في فلسفةِ المصالح المشتركة وأن العداوةَ والذات تغيبانِ عندما تكون المنفعةُ كبيرة.

يحكى أن بين القط والفأر عداوةٌ قديمةٌ منشأها أن القط الذي يحبه الإنسانُ ويضفي عليه الدلالَ يعتبر أن رتبة السنورياتِ اللواحم أرقى من رتبةِ القوارضِ التي يأتي منها الفأرُ ويحتقره الإنسانُ ويضطهدهْ فيجوز له أكله متى ما استطاع علماً أن كليهما يشتركان في مملكة الحيوانات. لم يستطع قِطُّ المنزل التغلب على الفأر فتصالح معه وترك شأن القتل للسنورياتِ الأخرى الكبيرة الحجم.

استبدل القطُ والفأرُ العداوةَ في البيت المصنوع من جريد وسعف النخل والحبال في مزرعتنا قبل خمسين سنة. لم نكن نملك حافظةً للطعام تمنع القطط والفئران مما نخبئهُ ليومٍ آخر. نأكل الغداءَ ونجلسُ تحت ظِلِّ النخلِ يأتي عليلُ الهواءِ ننامْ. نُغلق بابَ البيت ولكن المزرعة تعب بالفئران. تصحوا الفئرانُ عندما ننام وتقرض الحبالَ في وضاعتها التي حشرتها في القوارض. حبلٌ واحدٌ ثم اثنان  ثم يدخل الفأر بكليته. يشم رائحةَ الدهنِ ويأكل. يرى السنورُ الفرجةَ بين الجريد ويتبعه. يرقص ويتمايل الاثنان بين جماجم السمك التي فرشاهَا على أرض البيت الصغير.

عندما يدخل الاثنان لا يشغلهمَا سوى أن نبقى جائعينَ ويأكلانِ كل الطعامِ دون أن نسمعَ أزيزَ الرصاص أو وخزَ الضميرِ الذي كنا نقرأه في الكتب. اهتدينا لحيلةِ تعليق الطعام في سقف البيت فاحتار القط وهو الذي يملك الرأسَ الأكبر ولم تعيي الحيلةُ الفأر. يمشي الفأرُ فوق الجريد ويقطع الحبال. يرفع القط رأسه لحظةَ نزول الطعام ويقول للفأرِ سوف آكل أنا ويكفينا الطعام. لا داعي أن نوقظ الإنسانَ البغيض ويقضي علينا.

لم يحل نظام التراتبيةِ العنصري من أن يأكل القطُّ والفأرُ ويشربَا ويلعبَا معاً على حساب الإنسانِ وبين أن يرتعشَ الفأر عندما يرى المخلبَ ويبقي مسافةً بينه وبين القط. حين تكون الوليمة كبيرة ناموسُ القواميسِ يبتدع كلماتٍ  تضفي على النفس السكينة في الشراكة والمنفعة وإن اعتقد الأعداء أن الجائزةَ لا تكفي ابتدع الأضدادَ من الكلمات ويقول حيٌَ على السلاح! تتعارض المصالحُ عند البشر عندما لا يقبلون القسمة وتثور غريزةُ الحيوان، لا يكفي المخلبُ والنابُ في القضاء على هيجان طبائع الشر في أرواحهم.

يأتي يومٌ يصلُ فيه الإنسانُ إلى الكمال وتكون المصالحُ المشتركة والعدلُ المطلق هو الناموس. فيه تتصالح كل البشر دون أن تُبَدِّلَ أعراقها أو الوانهَا أو أديانهَا، لا ظلم ولا قهر. لكن قبل أن يأتي الفرحُ والفرج سوف يعمل السلاح عند البشر وتبلغ القلوبُ الحناجرَ ويقول الناسُ متى يظهر من كمالِ الكون ما كان محجوباً؟ يأتي الجوابُ من الكائناتِ أنت أيها الإنسانُ في يدك الساعة...

مستشار أعلى هندسة بترول