يا القدية
لماذا طردونا من حديقة الجامعة؟!
قبل سنوات رحت أشكر أمانة مدينة الرياض حسن صنيعها، بتجهيز الممشى المحيط بأرض وزارة التعليم، المطلة على طريق الملك عبدالله بن عبدالعزيز.. فقد تحول إلى مضمار مرصوف ومضاء.. بل ومزروع بالورود والرياحين، أصبح يشد سكان أحياء شمال الرياض، ممن اعتادوا على رياضة المشي، يخففون بها من وطأة الحياة الاستهلاكية.. فسكان مدننا الكبرى يقضون يومهم خارج البيوت والمكاتب.. إما متبضعين في الأسواق، أو راجلين في الشوارع!
هذا ديدنهم مع افتقارهم إلى مؤسسات اجتماعية وثقافية، قادرة على استيعاب التوتر النفسي، المتأتي عادة من الحياة في المدن الحديثة.. فما بالك بمدن أصبحت تضاهي في بنيتها التحتية، المدن العالمية المرموقة.. مما يجعل حاجة سكانها إلى ”متنفسات“ رياضية وتثقيفية وفنية من الضرورات المدنية، خاصة في مدينة كبيرة.. أو قل كبرى كمدينة الرياض لا نهر يشق وسطها، ولا ساحل بحر تطل عليه.
وعندما استبشر الناس بداية التسعينات الميلادية، بقيام حديقة جامعة الملك سعود، فأخذوا على أنفسهم عهوداً بتمشية الزوجة وأطفالها، في عطلة نهاية الأسبوع، أصدر مديرها وقتذاك أستاذنا الدكتور أحمد الضبيب أمراً صارماً بطرد المتنزهين، بدعوى الخشية من التأثير السلبي على نمو أشجارها! هكذا كانت دعواه في الظاهر، بينما حقيقة الأمر تكمن في التضييق على الأسر بارتياد ذلك المتنفس الجميل، تجاوباً مع من صادر حرية المواطنين والمقيمين، في ارتياد الحدائق بل المقاهي والأماكن العامة، مما دفعني حينئذ لكتابة موضوع ما زلت أتذكر عنوانه ”حديقة الجامعة تشكو الدكتور الضبيب“.. حيث ازدادت شكوى سكان عاصمتنا الحبيبة.. هذه التي توسعت مؤخراً، توسعاً هائلاً على كل المستويات، وتضاعف سكانها في عقود محدودة من آلاف البشر إلى الملايين، بينهم من الوافدين نسبة مليونية لافتة جداً!
كانت الشكوى تنحصر في تطلب ”المتنفسات“ من قسوة الطبيعة، وحياة المدن الأسمنتية.. ومن التضييق على أنفسنا في اللهو البريء!
في أبريل من العام الماضي أعلن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد عن مشروع القدية، وفق رؤية 2030 استثماراً في ثروات الوطن الطبيعية، التي ظلت مهملة دون تنميتها، لاحتسابها عوامل رافدة لاقتصادنا الوطني وتنويع مصادر دخله.. وكنت من الظانين - وبعض الظن إثم - أن الإعلان عن مشروع القدية ليس سوى للاستهلاك المحلي.. مشروع خيالي حالم سيمر، كما مرَّ الإعلان عن مشروعات حالمة من قبل! غير أن افتتاحه قبل أيام برعاية ملكية في حفل مشهود، ادهشني ومدينة ”القدية“ ستصبح أكبر مدينة ترفيهية في العالم بمساحة 334 كم2، وحجم إنشاءات ضخم، متفوقة على أكبر وأشهر مدن العالم الترفيهية، وبمساحة أكبر 3 مرات من نظرائها عالميًا ك ”ديزني لاند“.
أين هذا مما اقترحته هنا قبل سنوات، بتحويل أرض وزارة التعليم الواسعة، قبل اكتمال مبناها المتعطل انذاك، إلى حديقة مائية، تحاط بسلسلة مختارة من المطاعم العائلية، وأندية رياضية مجهزة بالألعاب الخفيفة كتنس الطاولة والبلياردو، وإقامة مكتبات ومراسم تخصص للأطفال والشباب؟!..
كنت أحلم وقتذاك وقد اتسع حلمي، عندما طالبت الأمانة بإقامة مضمار لسباق السيارات والدراجات النارية.
إن هذا كان سيساعد على جذب الأسر من بيوتها الأسمنتية، وشدها من الأسواق الاستهلاكية، لكي تشبع حاجاتها النفسية في التريض والتذوق والتثقيف..
هذا ما ناديت إليه حالماً قبل سنوات.. فإذا بمشروع القدية يجيبني مساء يوم السبت الماضي،
أنه سيقدم أنشطة ترفيهية وثقافية ورياضية، تناسب جميع شرائح المجتمع الراغبين في ممارسة الأنشطة الترفيهية داخل المملكة، بالإضافة إلى مرافق وأنشطة رياضية فريدة تسهم في اكتشاف وتنمية المهارات الرياضية للسعوديين، فالهدف هو بناء مستقبل مشرق حافل بالثقافة والرياضة والعلوم والفنون.
وبعد.. ألا يحق لي اليوم أن أتساءل متظلماً بحرقة: لماذا طردونا في شهر سبتمبر العام 1990 م من حديقة الجامعة، لنغلق أفق البهجة في أنفسنا ومن عيون أطفالنا؟!