أيها القطاع الخاص.. كن وطنياً لا رأسمالياً متوحشاً!
بهدف تنويع مصادر الدخل، وتجاوز مرحلة الاقتصاد الريعي المزمنة، ذي المنتج البترولي الأحادي، اعتمد مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية قبل أيام، برنامج التخصيص، وهو المحور الثاني من رؤية 2030 المتعلق بالاقتصاد المزدهر، بما يراعي مصالح المستفيدين كافة، وفق شراكة استراتيجية بين القطاعين الحكومي والخاص، حيث يهدف البرنامج إلى «تحويل دور الحكومة من مقدم أو مزود للخدمة، إلى منظم ومراقب للقطاعات المستهدفة» وهي: «الصحة والتعليم والإسكان والبلديات والعمل والتنمية الاجتماعية والنقل والاتصالات وتقنية المعلومات والطاقة والصناعة والثروة المعدنية والبيئة والمياه والزراعة والحج والعمرة».
لم يخفِ برنامج التخصيص.. أن أبرز تحدياته تكمن في انخفاض نسبة مشاركة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، مستهدفاً مساهمته ب 65 في المئة، وقد توفر له من قبل ما لم يتوفر لأي قطاع خاص في العالم، من منح أراضٍ وقروض ميسرة وتسهيلات هائلة، حصدها أفراده طوال السنوات الماضية من العوائد المليارية، ما لا رأته عين ولا خطر على قلب بشر، بحق أحياناً ودون وجه حق أحياناً أخرى! في حين ظل الاقتصاد الحكومي ينوء بأحماله الثقال وحده، من الصرف الهائل على إنشاء البنية التحتية الواسعة، والصرف غير الاستثماري على القطاعات الحكومية كافة، باستثناء قطاعي الصحة والتعليم، والالتزام بتوفير الوظيفة للمواطن ذكراناً وإناثاً، حتى أصبحت الميزانية السنوية للدولة، تنحصر في الباب الأول.. وما أدراك ما الباب الأول! دون أن يكون للقطاع الخاص أي دور إيجابي منتج في حركة الاقتصاد الوطني، من خلال الاعتمادات المتدفقة عليه من كل صوب حكومي، لتنفيذ مشروعات البنية التحتية وتشغيلها.
اليوم تفتح رؤية 2030 أمام القطاع الخاص، فرصة الاستثمار الوطني من أوسع أبوابه، بتخصيص عشرة قطاعات هي لب الاقتصاد الوطني، بحيث تتفرغ الدولة لإدارة القطاع العسكري والأمني.. فهل سيعمل القطاع الخاص على توفير بيئة جاذبة للعمل دون بخس حق المواطن؟! مراعياً مسؤوليته الاجتماعية في دعم الاقتصاد الوطني، بتخفيف آلام التحول الاجتماعية، والمملكة تنتقل من الاقتصاد الريعي الاستهلاكي، إلى الاقتصاد المتنوع المنتج.
إن شبابنا وشاباتنا المتخرجين في جامعاتنا الحكومية والخاصة، ومن يعودون من برنامج الابتعاث العلمي في الخارج الأميركي والكندي والأوروبي، بتخصصات نوعية في علوم الطب والهندسة والتقنية الجديدة والاتصال والمعلومات والقانون والإدارة والاقتصاد، ثماراً يانعة للقطاع الخاص جاهزة للقطف، وهم يسعون للخدمة العامة، متطلعين نحو تحسين نوعية حياتهم، بالحصول على الوظيفة المناسبة بالراتب المناسب لتخصصاتهم.
أيها القطاع الخاص.. كن رأسمالياً وطنياً لا رأسمالياً متوحشاً..
أقول قولي هذا وأمامي دراسة البنك الدولي التي أجراها قبل سنوات قليلة بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتخطيط، وقد كشفت أن متوسط الراتب الشهري في القطاع الخاص السعودي، يبلغ 6400 ريال مقارنة براتب المواطن الخليجي 15200 ريال، وفي دول الاتحاد الأوروبي 21600 ريال.. بينما المواطنة السعودية تحصل على 3900 ريال مقارنة بالخليجية التي تحصل على 8700 ريال والأوروبية تحصل على 15000 ريال.. هذا يشير بوضوح أن القطاع الخاص السعودي يقدم أرخص الرواتب والأجور لطالب العمل من الجنسين في المملكة.
الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للتخصيص أكد أن المركز سيقوم بالتأكد من جاهزية القطاع الخاص وهو يتسلم زمام إدارة القطاعات الحكومية المستهدفة بالتخصيص والاستثمار فيها، فهل هي محققة للمتطلبات الإدارية والفنية والمالية، وفق حوكمة عادلة وشفافية مطلوبة.
هذا أمر جيد.. لكن لي وقفة أمام مقاولي الإمدادات، لا بد منها في أرامكو السعودية وسابك وغيرهما، حيث يعمل سعوديون بتخصصاتهم التقنية ومؤهلاتهم الإدارية، عبر شركات وسيطة من القطاع الخاص السعودي، لشغل شواغر وظيفية دائمة، تحتاجها في تنفيذ مشروعاتها الكبرى، بشكل يتخطى الحد الزمني المسموح به من قبل وزارة العمل، حيث يتم تجديد عقود السعوديين كل عام كما الأجانب تماماً، وهم بالمناسبة يشكلون أغلبية قياساً للمواطنين السعوديين الذين لا تتجاوز نسبتهم 20 بالمئة، في حين يستمر هؤلاء السعوديون في وظائفهم المؤقتة في هذه الشركات الوسيطة من عشر سنوات إلى خمس عشرة سنة، دون الإفادة من التأمينات الاجتماعية، مخالفة بهذا نظام وزارة العمل الذي ينص على تثبيت من تخطى خمس سنوات في وظيفته.. فمن ينصف هؤلاء؟! أليس تفعيل نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية، الصادر قبل عام من مجلس الوزراء، أصبح أمراً لازماً لتتبنى جمعياته المهنية دورها مع المركز الوطني للتخصيص في مراقبة أداء القطاع الخاص، وهو يتسلم أهم قطاعات الدولة العشرة.