آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

على طريقة لا تأكل السمك وتشرب اللبن

كميل السلطان

لا تأكل السمك وتشرب اللبن هذه العبارة هي أول ما سيتبادر إلى ذهنك حينما يقدم إليك السمك، حينها ستتجنب اللبن للاعتقاد السائد بأن النهي الوارد في العبارة هو نهي ورد في السنة النبوية الشريفة، وهو اعتقاد لازمني ولكن المصادفة في فترة دراستي أوقفتي على هذه العبارة حيث عرفت أنها كانت لنحويين فعدت أبحث عن الحديث للوقوف على النهي وفهم السبب ولعله هناك أشياء أخرى أتزود منها، ما فاجأني أن هذه العبارة لم تكن حديثا حتى، إنما هي كما وجدتها عبارة للنحويين أطلقوها لتبيان أحكامهم وآرائهم النحوية، ونحن تعدينا بها للأحكام الشرعية، وجرت العبارة مجرى المسلمات في اعتقاداتنا وقناعاتنا وعاداتنا الحياتية والاجتماعية.

ومن ثم فإننا بعد هذه الوقفه نجد أنفسنا مرغمين على مراجعة كثير من قناعاتنا واعتقاداتنا وممارساتنا الاجتماعية والشخصية والعائلية، فلربما يتضح لنا أن كثيرا من الأمور التي طالما تجشمنا عناء الدفاع عنها وأرغمنا أولادنا عليها ليست إلا أمور ما أنزل الله بها من سلطان.

كثير من القناعات والمعتقدات لازمتنا منذ الطفولة، تارة ندافع عنها وتارة نحرص على تطبيقها وتطويرها، وفي الحقيقة لو توقفنا لمراجعة تلك القناعات وتمحيصها وتدقيقها لتبين لنا أن كثيرا مما نحن به مقتنعين ليس إلا مسلكا وطريقة وجدنا عليها آباءنا عاكفين، ومع إلتماس العذر لآبائنا الذين عاشوا في زمن يصعب التقاط المعلومة فيه فضلا عن تصحيحها، فإن العذر لا يلازمنا ونحن نعيش زمن التقنية والثورة المعلوماتية والتكنولوجية والتي فجرت وغيرت الكثير من المفاهيم والقناعات التي عششت فينا منذ زمن، وسهلت عملية البحث والتقصي وتحصيل المعلومة.

زمن الآباء والأجداد كان عسيرا في كل شيء، فلم يكن تصحيح المفاهيم والعادات الاجتماعية بالأمر اليسير، ولكن ما نراه اليوم من انقلاب الصورة وسعي المجتمع لتصحيح القناعات وطرح كل العادات الاجتماعية للنقد بل والتخلي عن كثير منها هو بداية التصحيح لمواكبة العصر والأهم هو تفوق العقل البشري وإدراكه بما يتناسب مع إمكاناته وشكره كنعمة أنعم الله بها علينا، فاحترام الدليل وصياغة الحياة بأسلوب أكثر عقلانية ولو على حساب بعض القناعات والعادات التي ورثناها وراثة بلا دليل عقلي أو نقلي لهو احترام للعقل وإعمال له في سبيل تحقيق حياة تقوم على معايير عقلية مبرهنة بالدليل والمنطق وعدم الركون إلى النقل والقيل والقال والإرث الاجتماعي دون أن تكون له مراجعة تحقق التوازن الاجتماعي الجمعي والفكري وفق أسس منطقية صرفه.

وعلى طريقة لاتأكل السمك وتشرب اللبن هل ستجد في حياتك الشخصية والعائلية والاجتماعية بعضا من العادات والقناعات التي تحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر.