آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 1:42 ص

قليلاً من الثقافة..!

وسيمة عبيدي * صحيفة الرياض

ماهي الثقافة؟ ومن هو من نستطيع وصفه بالمثقف؟ هل تقاس الثقافة بتكدس المعلومات، أم بعدد الشهادات المعلقة على الحائط؟ أو عدد الكتب المقروءة؟ أو ربما عدد أكواب القهوة المشروبة؟ هل الثقافة ثابتة أم متغيرة على مر الزمن؟ وهل تكون في مجال معين فقط أم أن على المثقف أن يكون مطلعا على شتى المعارف وفي شتى المجالات؟ معنى الثقافة في اللغة هي الاستقامة، الاعتدال أو تقويم الاعوجاج. ويقال أيضاً: ثقف الشيء أي عرفه ومهر فيه. ولها عدة معانٍ اصطلاحاً ما نستطيع إيجازه في أن الثقافة هي مجموعة من الأفكار والمفاهيم التي اكتسبها أفراد مجتمع ما على مر السنين وتحولت إلى معرفة تراكمية من المبادئ والقيم والأنظمة والأعراف والعادات والتقاليد التي قبلوها وتوارثوها جيلاً بعد جيل.

ولكل مجتمع تراثه الفكري الخاص به والذي يميزه عن باقي مجتمعات العالم. وكما أن الثقافة تنمو وتزدهر فبالإمكان أن تتراجع وتندثر أيضاً ويحل محلها ثقافة وأفكار وأساليب جديدة للحياة. وقد تلتقي بعض الثقافات في نقاط مشتركة وغالباً ما تكون شرائع ومفاهيم فطرية إنسانية ما لم تعبث بها قوى بشرية وتطوعها لأغراضها الخاصة. وقد تتأثر ثقافة مجتمع إما باتصال أفرادها بالثقافات الأخرى أو بمحاولة البعض منهم الابتكار والتجديد في بيئته المحيطة به مما يؤدي لظهور عادات وتقاليد جديدة. وعلى ضوء ما سبق ذكره، نستطيع تعريف المثقف على أنه من استقام واعتدل وهذب نفسه وعقله وأفكاره وشخصيته ونقاها من الشوائب وسما بروحه وإنسانيته وأيقظ ضميره وجعله الحاكم في كل الأوقات. فالثقافة ببساطة هي مجتمع مشبع بتراكمات الماضي ومؤثر جداً في الحاضر ومتطلع للمستقبل.

والمثقف هو من يستفيد من خبرة الماضي ليعالج مشاكل الحاضر وليبني مستقبلا أفضل له ولمجتمعه. فالثقافة هي ذهن متفتح، متطلع على الثقافات الأخرى، متقبل للاختلاف، وهي سلوك متحضر وروح متسامحة واحترام للآخر، وهي ضد التعصب والتشدد مهما كان الاختلاف. هي أيضاً الشعور والاندماج والانسجام مع كل ما حولك من بشر ومخلوقات وطبيعة وتكنولوجيا وعلم ومعرفة وكيفية التعامل مع كل ذلك. 

المثقف هو من يسعى باستمرار لجمع مختلف المعلومات من مصادر مختلفة ثم معالجتها بالحكمة والتفكير العميق وبحس عال من المسؤولية معالجة خاصة بما اكتسبه من معرفة وخبرة وتجارب صقلت وتقولبت مع الوقت لينتج عنها أعلى درجات النضج الفكري مع إبقاء العقل منفتحا ومتقبلا لكل جديد ومختلف، وإبقاء الروح مرنة وقابلة للتغيير والتجديد لتناسب تطورات العصر بدون التنازل أو الإخلال بالقيم الأخلاقية والإنسانية الراسخة والواضحة.

المثقف هو من يحاول فهم مجتمعه بأعلى مستويات الفهم والاستيعاب والمسؤولية للدرجة التي يستطيع فيها غربلة مجتمعه ورؤية إيجابياته وسلبياته بوضوح ومحاولة ترسيخ الإيجابيات وتطويرها وإصلاح السلبيات أو القضاء عليها. والمثقف أيضاً هو من يكون فاعلا في مجتمعه قائدا للتغيير الإيجابي مما قد يجعله محل هجوم بعض الأشخاص في مجتمعه بسبب أفكاره وآرائه التي ربما تصطدم وبعض العادات والتقاليد والمتشددين لها ممن يحاربون التغيير مهما كان نوعه.