الشيعة بين المواطنة والانزواء
يعيش أبناء الوطن في هذه الايام ذكريات مفجعة وهي حادثة التفجير الانتحاري في مسجد الامام علي بالقطيف وحادثة تفجير مسجد العنود بالدمام. وفي كلتا العمليتين يقتحم الارهابي الهالك ساحة المسجد ويقف بين المصلين ليكبس الزر الذي يقذف بأشلائه القذرة في كل مكان. بينما في الوقت نفسه يفتح أبواب الجنة على مصراعيها للمصلين ليدخلوها بسلام آمنين.
وتمر الاحداث سريعا بين حالة من التأهب والحذر وحالة أخرى تقع ما بين الهجوم والمواطنة.
لقد ذهب البعض من أبناء الوطن ومن أتباع المذهب الشيعي بالتحديد للتضحية بأرواحهم ودمائهم للمشاركة في ردع أية محاولة إرهابية تحاول زعزعة الامن. وكلنا يذكر جيدا الحادثة التي تصدرت قائمة سجل الشرف على مر التاريخ حينما عانق عبدالجليل الاربش ذلك الارهابي ليمنعه من دخول المسجد وكان له شرف الشهادة مع رفقاه.
وراح العالم يهديهم قصائد المجد وأوسمة الشرف، بينما راح البعض من أبناء المذهب الشيعي يدحض الارهاب ويهاجم شيوخ الضلالة اللذين خلقوا حطب جهنم كداعش والقاعدة والنصرة. وخلال توحد المجتمع الشيعي في محاولة منه لقطع عرق الارهاب ما بين منتقد للمناهج التعليمية ومهاجم للقنوات التحريضية، كان هناك فئة من الشيعة لا يتجاوز عددهم أصابع اليد كانت تحشوا أسلحتها بالرصاص معتبرة بأن تلك هي أفضل وسيلة للحوار مع قرارات الحكومة.
وحينما راح بعض المثقفين والناشطين من أهل القطيف محاولين أن يصنعوا جسور المواطنة والسلام، كانت قد برزت لهم فئة تهاجمهم من كل جانب وتزج بهم في قائمة العملاء والخونة وأنهم باعوا كرامتهم من أجل المال. لتبدأ بعد ذلك عمليات الاغتيال كاغتيال الجيراني ومحاولة اغتيال المهندس البراهيم لتدخل القطيف مرحلة صراع جديدة ما بين المواطنة والانزواء.
فدب الخوف على البعض من أبناء المجتمع وخصوصا من ذوي الرأي حيث فضلوا الصمت وكتمان رأيهم الصريح تجاه الاحداث الاخيرة على الموت برصاصة غادرة. حتى أن البعض من أصحاب القلم في القطيف لم يعبروا عن رؤيتهم وسعادتهم في التصريح الحكومي فيما يخص علاقاته الطيبة مع أبناء الشيعة وأنه سوف يكون لهم مشاركة كبيرة في مجلس الشورى وغيرها من الميادين المهمة في بناء الوطن. وصفة الانزواء والبعد عن ساحة الحوار الايجابية تضيع على أبناء الشيعة نقاط مهمة في تعميق المواطنة والتي حتما سوف تحسب لصالحهم مستقبلا فالفرصة سانحة وخصبة لاستغلال الظروف.
فالمنطق يقول بأنه مهما كان لنا من ارتباط ديني أو ثقافي خارج حدود الوطن فمصلحتنا تبقى هنا لأننا نعيش هنا وتحت أنظمة وقانون الوطن.
لقد كان الشهيد الاربش في يوم الجمعة شجاعا مقداما وتصدى للإرهاب مضحيا بنفسه لأجل عشرات الارواح. ونحن اليوم بحاجة إلى أصحاب القلم وأصحاب الكلمة الجريئة ليخلعوا عباءة الخوف ويعبروا فيها عن وطنيتهم وحبهم للوطن. ويثبتوا للعالم والطرف المتربص بهم بأن الشيعة شركاء في الوطن وأن لهم دور بارز في تطوره على الصعيد المحلي والعالمي.