آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 1:35 ص

إعادة التفكير بالمثقف

سمية غريب *

”زكي الميلاد“ كاتب وباحث في الفكر الإسلامي والإسلاميات المعاصرة ومتخصص في الدراسات الإسلامية، وهو رئيس تحرير مجلة الكلمة، وصاحب نظرية تعارف الحضارات، وله العديد من المؤلفات والأبحاث والكتابات والأعمال الفكرية وساهم بالعديد من المقالات المنشورة في المجلات والصحف والمواقع الالكترونية، في كتابه «محنة المثقف الديني مع العصر» الصادر في طبعته الثالثة سنة 2012 م، يقول فيه الأستاذ المفكر ”الميلاد“ بأن هذا الكتاب يأتي لكي يؤكد التفات الفكر الإسلامي المعاصر إلى غياب المثقف الديني، وضرورة انبعاثه في الأمة كي ينهض بأدواره ووظائفه الحيوية والإنمائية والحضارية في زمن التحولات العالمية الكبرى، وعصر ثورة المعلومات وتحديات العولمة.

وقد ترك غياب المثقف الديني في نظر الميلاد أثره على بنية الفكر الإسلامي ومسارات تطوره، وقدرته على التجدد والتجديد والاستجابة لشروط المعاصرة، وهي الأبعاد التي من الممكن أن يبدع فيها المثقف والمفكر الديني بوجه خاص، فهو الذي يفترض فيه أن يكون على قدر من الاستيعاب والمواكبة لشروط العصر وتحولاته ومتغيراته. وهذا الالتفات من الفكر الإسلامي بحاجة لأن يتطور إلى رؤية جديدة تجاه المثقف الديني، الرؤية التي ترفع عنها بعض الهواجس القلقة التي تشكلت حول المثقف بصورة عامة، وانسحبت بعض الشيء على المثقف الديني.

وقد تطرق الأستاذ ”زكي الميلاد“ في هذا الكتاب إلى عناصر مهمة وحساسة يجب دراستها وإعادة الرجوع إليها وتسليط الضوء عليها، ومن أهم هذه العناصر معالجته لعنصر إعادة التفكير بالمثقف، والذي مثل مدخلا للحديث عن قضية دراسة ظاهرة المثقف الديني أو الإسلامي، ولهذا يجدر بنا الرجوع إلى هذه القضية وإعادة دراستها ومراجعتها.

وفي هذا الصدد يرى الأستاذ المفكر ”زكي الميلاد“: بأننا لا نجد مرجعا علميا أساسيا في كتابات ومؤلفات الباحثين والدارسين الإسلاميين، القديمة أو الحديثة أو المعاصرة نرجع إليه في معالجة هذه القضية، بما يُكسب البحث اتصالا في جانبه الفكري وتوثيقا في جانبه التاريخي وتراكما في جانبه المعرفي.

والكتابات العربية الحديثة والمعاصرة التي عالجت موضوع المثقف، وما يرتبط به من قضايا علائقية ووظائفية وتكوينية، فإنها لا تفيدنا كثيرا إلا حول المثقف عموما، والمثقف العربي خصوصا.

وأما الكتابات الإسلامية المعاصرة، فإنها لم تقدّم معالجات مهمة ولم تتوسع في دراسة قضية المثقف، والمثقف الديني بوجه خاص، وذلك بالاستناد إلى منظوراتها الفكرية وبالعودة إلى مرجعيتها الإسلامية، وبإعمال أدواتها المنهجية في الكشف عن هذه القضية وتكوين المعرفة بها، القضية التي يمكن اعتبارها أنها من القضايا الفكرية المهملة في الكتابات الإسلامية، وفي ساحة الفكر الإسلامي المعاصر عموما.

هذا الإدراك بغياب المثقف الديني في الساحة العربية والإسلامية، من المحتمل أن يأخذ وتيرة متصاعدة بمرور الوقت مع النمو الذي تشهده هذه الساحات في تشكل هذا النمط من المثقفين الدينيين، وتزايد بروزهم ثقافيا واجتماعيا.

وفي هذا المجال لا بد من الإشارة إلى الدور المهم الذي ساهمت به اليقظات الإسلامية الحديثة والمعاصرة في نهضة المثقف الديني ونموه، إذ دفعت به لأن يكون حاضرا في الأمة وفاعلا ومتصديا لقضاياها العامة.

وأمام تقدم هذه الفئة المثقفة وتزايد اتساعها فسوف يكون من أكثر العوامل تأكيدا لتلمس هذا الغياب وإدراكا لأهمية حضور المثقف الديني وحيوية مشاركته وفعاليته.

وعامل آخر في تفسير نقص الدراسات الفكرية والإسلامية حول قضية المثقف والمثقف الديني هو التباس مفهوم المثقف عند بعض شرائح الوسط الديني، إذ يصاحب نظرتها للمثقف التعليم الغربي والثقافة الأوربية والنمط الغربي في السلوك العام وبنوع من الإطلاق والتعميم أحيانا، خصوصا في البيئات التي تفتقد إلى التعليم العالي والثقافة الواسعة.

والملاحظ بصورة عامة أن النقد الذي أخذ يتعرض له المثقف العربي في العقود الأخيرة من المثقف نفسه، أشد من النقد الذي توّجه له الأدبيات الإسلامية في تصويرها ونقدها للمثقف.

ولعل هذا النقد من الأدبيات الإسلامية للمثقف قد تأثر بما حصل من اصطدام شديد بين الثقافتين الإسلامية والغربية، وما تركه هذا الاصطدام من تداعيات نفسية وثقافية وأخلاقية وسياسية فرض على الفكر الإسلامي أن يتعامل بنوع من الحساسية والتحفظ والحذر تجاه كل ماعبّرت عنه الثقافة الغربية من مفاهيم ونماذج وعلائق وأنماط وقيم وقوانين.

ومن جملة هذه المفاهيم التي أحاطها الحذر والتوجُّس مفهم المثقف، لكونه يكتسب مرجعيته الفلسفية والتاريخية من الثقافة الأوربية خاصة مع وجود مفهوم آخر ينتسب إلى الثقافة الإسلامية.

تقويم دور المثقف على ضوء التحولات العالمية:

ما يؤكد الحديث أيضا عن المثقف الديني أنه يأتي في وقت يتجدد فيه النظر والنقاش حول مفهوم المثقف على نطاق عالمي وإعادة التفكير في هذا المفهوم من جهة علاقاته بالمعرفة والدولة والمجتمع، وذلك على ضوء ما شهده العالم من تحولات شديدة السرعة والتغير فرضت تقييم دور المثقف وفاعليته في حركة هذه التحولات وما إذا كان له من دور يشهد على حضوره وتأثيره ويؤكد على مصداقيته ورمزيته أو أنه يشكك في مثل هذا الدور ويبرز ضموره ومحدودية تأثيره.

فهل أبقت هذه التحولات من دور للمثقف؟ أم أنها تجاوزته لفشل ألمّ به أو لإحباط أصابه أو لأنه قد تخلى عن دوره لشدة ما تعرض له من صدمة الواقع وتحولاته؟

وقد جرت أكثر هذه المناقشات والمساءلات التي تناولت دور المثقف في أوربا وأمريكا ومناطق عدة من دول العالم ومنها العالم العربي والإسلامي.

وأما في العالم العربي فقد ظهرت كتابات كثيرة في العقدين الأخيرين من القرن العشرين فتحت نقاشا نقديا حادا وصارما حول المثقف العربي تدعو لإعادة النظر في دوره وموقعه وعلائقه وكيفية الخروج من المأزق الذي وصل إليه.

وفي الأخير يمكن القول أن تجدد الاشتغالات الفكرية واتساعها على نطاق عالمي حول المثقف وأدواره وعلائقه تجعل من الأهمية أن يتّجه المشتغلون بالفكر الإسلامي والمشروع الإسلامي، وبمزيد من الحوافز والمعطيات نحو تجديد النظر لمفهوم المثقف، والمثقف الديني بالخصوص الذي بإمكانه أن يُسهم بدور مهم في زمن تتجه فيه أنظار العالم بصورة ملفتة نحو الإسلام وبطريقة لم يسبق أن حصلت في التاريخ الحديث.

باحثة من الجزائر - ماستر فلسفة الحضارة من جامعة الأغواط