آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

لهذا اقترحت وزارة للبيئة

محمد رضا نصر الله صحيفة الرياض

قبل سنوات دعيت للتحدث في ندوة عن «أشجار المانجروف والثروات البحرية الساحلية» نظمتها في الظهران مصلحة الأرصاد وحماية البيئة، قبل ضمها مؤخراً إلى وزارة الزراعة والمياه والبيئة، بمشاركة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وأرامكو السعودية.. وقد تكشفت أمامي عبر تقارير حكومية وأبحاث جمعيات أهلية، حقائق مرة عن تدمير بنيوي لعناصر البيئة في البر والبحر والجو، خاصة في المناطق الساحلية التي تعاني من الكوارث البيئية، لا في المملكة وحدها وإنما في دول مجلس التعاون الخليجي، ما دفعها لصياغة اتفاقية إقليمية، لمكافة التلوث بالزيت، الذي تسبب مع عوامل أخرى في اختلالات بيئية، أثرت على سلامة عناصر البيئة وصحة الإنسان.

فقد تسبب الردم الجائر للمناطق الساحلية، لإنشاء مناطق سكنية مع التمدد العمراني، في القضاء على التوازن البيئي، بقطع أشجار المانجروف في الدمام وسيهات والقطيف، عبر خليج تاروت وساحل صفوى، رغم تذكير وزارة الزراعة أن عمليات الردم الجائر تتعارض والأمر السامي رقم 1861 / 8 وتاريخ 27 / 1 / 1429.

ومع ذلك استمر الرادمون في ردمهم.

لم يقتصر الأمر على هذا، فقد استمر مصنع رأس تنورة ينفث أبخرته الصناعية منذ 1941 وما يزال، إضافة إلى ما تنفثه المجمعات الضخمة في مدينة الجبيل الصناعية، من أشكال وألوان من الأبخرة المنبعثة من مصانعها الكيميائية والبتروكيميائية، وكذلك ما تقذفه من المخلفات الصناعية المختلطة مع مخلفات الصرف الصحي في الساحل الشرقي.

غدت كل هذه مهددة لسلامة البيئة وصحة الإنسان، بأمراض غير معهودة من السرطانات والحساسية والجهاز التنفسي، فضلاً عن ما سببته حرب الخليج من آثار مدمرة للتوازن البيئي، هو ما دفع مصلحة الأرصاد وحماية البيئة وقتها إلى صرف مستحقات للمتضررين منها.

والعجب كل العجب أنه لا أرامكو السعودية ولا شركة سابك، وهما أكبر شركتين مستثمرتين في الصناعة البترولية وتحويلاتها البتروكيميائية، لم تتحملا مسؤولياتهما الاجتماعية، في حماية السكان مما يتعرضون له من آثار استثماراتهما الضخمة، بإنشاء مراكز طبية كبرى وفق مقاييس عالمية، لمعالجة المتضررين من آثار الانبعاثات والأبخرة الصناعية، إضافة إلى تبني برامج فعالة تعمل على إعادة تأهيل الساحل الشرقي بيئياً.. بل ما نراه هو تلويح أرامكو السعودية بين حين وآخر، بإغلاق مركزيها الطبيين في الظهران ورأس تنورة، اللذين انشأتهما شركة الزيت العربية الأميركية، بعد اكتشاف حقول البترول، قبل تحولها إلى أرامكو السعودية، بل بدت هذه غير متحمسة لتوسيع مركزيها الطبيين وتطوير أدائهما، رغم تضاعف مستحقي الخدمة وطالبيها من موظفي أرامكو ومتقاعديها، لولا ما تعرضت له من ضغط حكومي باستمرار معالجة منتسبيها، مستعينة بمركز جون هوبكنز الطبي الأميركي، ومع ذلك فقد أزعجتني إشارة سمعتها مؤخراً من رئيس أرامكو السعودية، أن الشركة العريقة ربما تحول قريباً طالبي الخدمة الطبية، من موظفي الشركة للعلاج في المستشفيات الحكومية، التي تنوء بأحمالها الثقال.

على أي حال فما ورد من تقارير وأبحاث وتوصيات، تتعلق بصحة البيئة والإنسان، سواء ما تعلق بالنفايات الإشعاعية المتخلفة عن حرب الخليج.. أو ما أدى إليه الردم الجائر للشواطئ، وقطع أشجار المانجروف، من تدمير للعناصر البيئية في الأرض والبحر، وكذلك الآثار المترتبة من المخلفات البترولية وانبعاث الغازات السامة من المصانع الكيميائية والبتروكيميائية في الجو، هو ما شجعني للتقدم بتوصية إلى مجلس الشورى، تقضي بإنشاء وزارة للبيئة، وفقاً لما تنادت إليه بنود خطط التنمية في السنوات الأخيرة، وانسجاماً مع المادة الثانية والثلاثين من النظام الأساسي للحكم التي تنص على أن «تعمل الدولة للمحافظة على البيئة وحمايتها وتطويرها ومنع التلوث». واستلهاماً من الواقع البيئي المتدهور، وما تتطلبه أولويات التنمية الوطنية في إطار مفاهيم التنمية المستدامة، باتت معه الدعوة إلى إنشاء وزارة البيئة ضرورة استراتيجية، لتتمكن من صياغة التشريعات وتطبيق العقوبات الجزائية والغرامات المادية، وجميع الإجراءات الرادعة الكفيلة بحماية البيئة والإنسان من التلوث البيئي، وقد أضر ببلادنا ومجتمعنا من كل صوب.

فيا ترى ما الذي حققته، وقد أصبح لدينا وزارة للبيئة من برامج وإجراءات.. تتطلبها حرب وطنية صارمة، تتضافر فيها جهود القطاع الحكومي والأهلي، للقضاء على أمراض البيئة الفتاكة بسلامة البيئة وصحة الإنسان.