ما شأننا بفضائحهم الشخصية؟
مع تفاقم ظاهرة المواقع الإلكترونية الإخبارية ذات الطابع غير المهني، ومساحات الحُرية العبثية غير المحدودة بحدود المسؤولية على مواقع التواصل الاجتماعي في بلدان مازال مستوى الوعي الفردي فيها تحت خط النضج الذي يؤهل الفرد للتعبير عن آرائه بموضوعية، صرنا نسمع أو نقرأ كل يوم أخبارًا تحت عناوين: ”فضيحة جنسية للفنان فلتان“، ”فضيحة أخلاقية للزعيم فلان قبل ثلاثين عامًا“، ”فضيحة مدوية: السياسي فلان كان يمشي في نفس الشارع الذي تقيم فيه الراقصة فلانة منذ عشر سنين“، ”فضيحة تهز الأرض: الوزير فلان كان يقيم قبل عشرين عامًا مقابل شقة أحد مثليي الجنس“، ”فضيحة تزلزل كوكب المريخ: ابنة رئيس جزر المنجنيق قبّلت زوجها الذي تزوجته منذ اثني عشر عامًا ومازالت على ذمته في غرفة نومهما الخاصة“!
السؤال الذي يطرح نفسه أمام كل تلك العناوين التي لا يمكن لأي شخص ناضج فكريًا ومشاعريًا إلا أن يعتبرها ”سخيفة“: بحق الإله! ما شأننا نحن ب ”شؤونهم الشخصية“ مادامت لا تؤثر على ”حياتنا الخاصة“ أو على ”الحياة العامة“؟ ما شأني أنا ك ”مواطن عادي“ بالعلاقة التي كانت بين الفنان فلان والراقصة فلانة قبل مائة عام؟ ما شأني بالقبلة العابرة التي تبادلتها الممثلة فلانة مع أحد المخلوقات الفضائية عندما سافرت إلى كوكب البطيخ قبل ثلاث سنين؟ ما شأني بحكاية أن المدير العام لإحدى الشركات العالمية الكُبرى كان يغسل اسنانه يوميًا بفرشاة أسنان امرأة غير زوجته؟ تلك الأخبار لا تهمنا لأن لا علاقة لها بحياتنا ولا تؤثر عليها، الصور الصفراء التي تُنشر عنها لجذب اهتمام مُنخفضي الوعي لا تهمنا، الفيديوهات التي يتم إطلاقها هنا وهناك لإظهارهم في مواقف خاصة يتم تصنيفها تحت عنوان ”فضيحة“ لا تهمنا، تلك حياتهم الشخصية وهم أحرار بها، وإذا كان هناك من له الحق بالاهتمام وإبداء الرأي فهو شريك حياة ذاك الشخص فقط، زوجته إن كان متزوجًا، وزوجها إن كانت متزوجة، أما ما عدا ذلك فلا يعدو عن كونه سخفٌ، وتطفل، ودس أنفٍ في مؤخرات الآخرين.
قبل فترة انتشر خبرٌ أقل ما يُمكن للعاقل وصفه بأنه هزلي مُثير للسخرية، ومثير لمشاعر الرثاء تجاه المستوى الفكري الذي نعيشه اليوم في عالمنا العربي، فإن كان كاتب وناشر الخبر مؤمنًا حقا بهذا السخف فتلك مصيبة، وإن كان يُدرك مدى سخفه لكنه يستخف بعقول القُرّاء معتبرًا إياهم تافهين سُخفاء فالمُصيبة أعظمُ! الخبر يقول أن ابنة ”رئيس سابق“ لإحدى البلدان الغربية، تعيش علاقة عاطفية مع أحد زملائها في الجامعة، وتم نشر الخبر تحت عنوان: ”فضيحة“! حسنًا؛ أين الفضيحة في الأمر؟ الرئيس ”سابق“ انتهت ولايته الرئاسية منذ زمن، والبلد ”غربي“ تسمح قوانينه بالعلاقات العاطفية بين الجنسين مُعتبرة إياها بوّابة لدخول عالم الزواج وتكوين أسرة مستقرّة، وكل العالم يعلم أن والد البنت ووالدتها عاشا قصة حُب في الجامعة قبل أن يتزوجا ويُنجباها ويبقى زواجهما مستقرًا عشرين عامًا أو أكثر إلى اليوم!
كون الإنسان مشهورًا، أو ابن شخصٍ مشهور، أو شخصية تعمل في مجالٍ عام، أو ابن شخصيّة تعمل في مجالٍ عام، لا ينفي صفة ”البشرية“ عن هؤلاء، ولا يعني أنهم لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يتبوّلون، ولا يتنفسون، ولا يُخطؤون.. إنهم ليسوا آلهة، وبشريتهم تفرض عليهم ارتكاب الصواب وارتكاب الخطأ في رحلة تطورهم الإنساني، وحين يرتكبون سلوكًا بشريًا ”شخصيًا“ أو ”سريًا“ تُصنفه مُعتقداتنا الخاصة أو عاداتنا وتقاليدنا المحدودة بمحيطنا الضيق على أنه ”خطأ“ فهذا لا يعني أنه فعلاً خطأ بالمقاييس العالمية، ولا يعني أنه مُستحقا لإعلانه ك ”فضيحة“ مادام لا يؤذينا ولا يتدخل في شؤوننا الخاصة من قريب أو بعيد.. وحتى في تلك القضايا المرتبطة باعتداء جنسي على شخصٍ آخر هناك جهات أخرى قضائية هي المخوّلة بإطلاق الأحكام واعتبار الشخص مُذنب أو غير مُذنب بعد الاطلاع على الأدلة والقرائن والإنصات لأقوال المُدّعي والمُدعى عليه بعدل.. أما نحن؛ ببشريتنا الضعيفة، وبأخطائنا الكبيرة والصغيرة، فليس لنا أكثر من غض السمع والبصر عن مثل هذا الكلام.