آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

الثقافة حق تشريعي للمواطن 2/2

محمد رضا نصر الله صحيفة الرياض

مع أن الثقافة وتنميتها ورعايتها حق تشريعي للمواطن، كفله النظام الأساسي للحكم في مادته التاسعة والعشرين برعاية الدولة «للعلوم والآداب والثقافة، والعناية بتشجيع البحث العلمي، وصيانة التراث الإسلامي والعربي، والإسهام في الحضارة العربية والإسلامية والإنسانية»، إلا أنه لم يفعّل لأن مستوى الاهتمام بالثقافة وتنميتها، ما زال متدنياً في مداولات النخبة البيروقراطية، بسبب هيمنة سلطة السوق وثقافة التسليع والاستهلاك، لذلك رأيناها مهمشة في معظم خطط التنمية، دون الاهتمام بضرورة ردم الفجوة الثقافية التي فغرت فاها، متسعة بين عملية التنمية وحركة المجتمع، مما تسبب في حدوث اختلالات اجتماعية ومفاهيمية، ترتب عليها وجود تيارات متضاربة في المجتمع، تراوحت بين المحافظة والتغريب، ونشوء ظواهر الانحياز إلى دوائر ضيقة من القبلية والمذهبية والإقليمية..

كل ذلك بسبب افتقارنا لمشروع وطني للثقافة، يعمل على تعزيز أواصر الوحدة الوطنية، وتحقيق المواطنة المتساوية، ويكافح أسباب ظواهر التعصب القبلي والإقليمي والمذهبي.

لو توفر ذلك مع إطلاق خطط التنمية في بواكيرها الأولى، لتفادينا بروز ظواهر التطرف والإقصاء، التي برزت فاقعة في ظاهرة الصحوة نهاية السبعينات الميلادية، هذه التي أنتجت أفعال الإرهاب، مهددة استقرار المجتمع والدولة لسنوات، ولتمكنا من نشر ثقافة التعايش مع أنفسنا، وقبول الآخر والحوار معه.

هذا وكنت قد سجلت اعتراضي على إغفال وزارة الاقتصاد والتخطيط للتنمية الثقافية في خطتيها الثامنة والتاسعة، حينما كنت عضواً في مجلس الشورى، مقترحاً عليها المبادرة سريعاً وجاداً لصياغة استراتيجية وطنية للثقافة مع وزارة الثقافة والإعلام.. عبر تصميم برامج ثقافية فعّالة، وقبل ذلك إنشاء بنية تحتية حديثة من مراكز ثقافية وهيئة وطنية للكتاب ومتاحف للفنون التشكيلية وقاعات للسينما والمسرح، بعد رصد ميزانية سخية، كما هو جارٍ في دول كبرى، فرنسا مثلاً ترصد سنوياً عشرات المليارات من الفرانكات، وعربياً مصر ترصد ميزانية سخية للصرف على تنفيذ البرامج الثقافية، وكذلك تونس والجزائر، وخليجياً الكويت ودولة الإمارات، بل إن هيئة أبوظبي للثقافة خصصت مليار درهم على إصدار مشروع واحد، من مشروعاتها مشروع كلمة للكتاب.

فالثقافة اليوم في التصور التخطيطي تشكل قوة ناعمة Soft power ذات بعد استراتيجي في إدارة متغيرات المجتمع وتصحيح مفاهيمه، وكذلك تعديل الصورة النمطية لدى الآخر والحوار معه.. بما يعمل على تأكيد الحضور الوطني الثقافي في العالم..

فكيف بالمملكة جزيرة العرب التاريخية، التي تشكل رمزية قومية ودينية في مخيال العرب والمسلمين بوجود الحرمين الشريفين، ورمزية ثقافية بانطلاق حركة الأدب والشعر العربي القديم من على ثرى بلادنا، فهي مهد اللغة العربية وحاضنة التراث العربي الفصيح والشعبي.

لذلك بات الاهتمام بالثقافة وتنميتها ضرورةً استراتيجية، تنسجم مع رؤية 2030 وبرامج التحول الوطني، ذلك أن إيلاء الجانب الثقافي الأهمية البالغة في هيئة الثقافة وفق هذا التصور، ينبغي أن يشكل أساساً متيناً ورافعة قوية للرؤية وبرامج تحولها، من توحيد الصف الوطني وتحسين نوعية الحياة، وتعزيز مسيرة الإصلاح والمساءلة والشفافية ومكافحة الفساد، إلى إشاعة ثقافة حب العمل والإبداع التقني في مجاليه المدني والعسكري، وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني، وتمكين المرأة في مجالات التنمية المختلفة، هذه وغيرها من الاستحقاقات الوطنية هو ما يعمل الأمير محمد بن سلمان ولي العهد عليه اليوم في مملكتنا المتجددة، بخياله السياسي الجديد، وروحية المقاتل الباسل بكل حيوية وطموح وإبداع.