آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

العمالة الأجنبية في البلاد

عباس سالم

قبل أكثر من أربعين عاماً كان الناس في جزيرة تاروت هم من يعملون في كل الأعمال الحرفية منها والصناعية.

كانت جزيرة تاروت كما رأيناها قديماً منطقة بساتين غناء والتي كانت تمتد خارج حدود المدينة التي توسعت الْيَوْمَ، وقامت باحتلالها وحولتها إلى عمارات وبيوت مستقلة، وكانت المهن الحرفية في البلاد سابقاً مثل صيد السمك، والزراعة، وطهي الطعام في المناسبات والأعراس، والحدادة، وتشييد المنازل، والحلاقة، والبيع في المحلات التجارية وغيرها، تدار بأيد أهل البلد الطيبين وكان الكل يعمل ويتعب والجميع مستمتعاً بخيرات البلد وَمِمَّا تنتجه أرضنا الطيبة من خيرات كثيرة.

إن حالة الثراء التي أفرزتها الطفرة المادية بعد اكتشاف النفط، أفرزت تداعيات عديدة منها ما هو إيجابي كتحسين مستوى العيش، وارتفاع مستوى الدخل الفردي، والتحسن الكبير في العجلة الإقتصادية عامة، ومنها ما هو سلبي حيث انتشرت ظاهرة الكسل بين الشباب في بعض الشرائح الإجتماعية، والإعتماد على العمالة الأجنبية خاصة بعد توافد الآلاف منها إلى البلاد وقيامهم بالكثير من الأعمال لا سيما الخدمية منها، الأمر الذي فتح الباب أمام إنتشار البطالة لدي الكثير من الناس في المجتمع!

لا زلت أتذكر تلك التحيات الجميلة بين أبناء بلدي صباح ومساء كل يوم، فما إن تأتي إلى السوق في الصباح إلا وتسمع تحية الإسلام تتناثر بين أصحاب المحلات ”السلام عليكم أبو أحمد، صبحك الله بالخير أبو علي“، فتثير فيك الرهبة ليوم جميل مليء بالحيوية والنشاط إلى غروب الشمس التي تمتص أوجاع وانكسار تعب الْيَوْمَ إلى الليل الذي ينثر سكينته على نفوس الناس في منازلهم لتحلق عالياً بأحلامهم مع النجوم.

إن كل تلك التحيات تحولت الْيَوْمَ إلى أصوات رمادية نسمعها هنا وهناك ولا نعرف معناها! هاأنت ذا ترى العشرات من العمالة الأجنبية مجتمعة وسط السوق الرئيسي في جزيرة تاروت كما هي في مدينة القطيف وقراها، ولا تستطيع المشي في الشارع وأنت لم تكن محاطاً بعمالة أجنبية من كل جهة وصوب، وعندما تأتي بسيارتك لكي تتعرف على تاريخ عمره أكثر من 5000 سنة موجود في قلعة تاروت وما حولها، لترى عبق التراث في الجزيرة لا تستطيع أن تحصل على موقف لها بين عشرات سيارات السائقين من العمالة الأجنبية التي استوطنت المكان كله!

لم أكن أتوقع أن يكون ذلك التغيير الجمالي في الأسواق والمحلات التجارية في جزيرة تاروت قد قضى على الأيدي الوطنية التي تعمل فيها، وحلت مكانها العمالة الأجنبية بشكل كبير! فما أن تذهب إلى السوق لا تسمع إلا الأصوات الأجنبية التي لا تعرف معناها تتعالى من كل صوب، وكأنك في سوق دولة آسيوية لا في جزيرة تاروت، فهذه العمالة الأجنبية غيّرت جمال المكان الذي كان جميلاً بأهله من العمالة الوطنية.

فرحم الله أولئك الناس من أهل بلدي الذين اتسموا بالعلم والطموح والرجولة والغيرة على البلد الذين غابت أصواتهم وغادرونا دون رجعة! وحلت مكانها الأصوات الأجنبية! فعندما تجلس الْيَوْمَ على ضفاف القهوة التراثية وتطلب الشاي المخدر لتتذكر ماضي الأجداد لا تسمع إلا صوت ”تمكاري سبيكوه تمكاري صديقييه.. إنتي يا سبيكوه في الهبِ شريكييه“ من العمالة الأجنبية الذين استوطنوا المكان ومحلات البيع!

نراكم على خير