هذه حقيقة موقفنا من فلسطين
لعل بعض المراقبين في الداخل والخارج فاجأتهم نبرة الملك سلمان القوية. وهو يستبق تقديم كلمة الرئيس الفلسطيني في قمة الظهران. مطلقاً عليها قمة القدس.
هؤلاء من الأجيال الشابة ربما تغيب عنهم صورة التاريخ السعودي الطويل في دعم القضايا العربية ومناصرة القضية الفلسطينية. وللملك سلمان خاصة سجل حافل في الوقوف مع الفلسطينيين سياسياً وإنسانياً ومادياً منذ تولَّى إمارة منطقة الرياض قبل قرابة سبعة عقود.
مارس ذلك بكل مبدأية ونكران ذات. أتذكر بعد غزو صدام حسين دولة الكويت وما أحدثه من زلزال مدمر لمنظومة الأمن القومي العربي، أنني هاتفته - حفظه الله - ذات مساء منفعلاً غاضباً وأنا أشاهد على شاشة التلفاز السعودي القيادي الفلسطيني هاني الحسن، محاولاً التغطية على موقف الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الذي انضم إلى معسكر صدام حسين مرسلاً وزير خارجيته فاروق القدومي إلى بغداد، في حين أرسل هاني الحسن إلى الرياض بانتهازية سياسية فاقعة.
كنتُ منفعلاً غاضباً من هذا الابتزاز الرخيص. إذ طلب مني الملك سلمان أن أهدئ من روعي وأن أرجع إلى مكتبتي للاطلاع على مواقف المملكة الثابتة. مؤكداً أن الموقف من القضية الفلسطينية هو أحد ثوابت السياسة الخارجية للمملكة بعيداً عن هذا الموقف الفلسطيني المتحامل أو ذاك الموقف العربي المضلل.
وهنا استرجعت ما قرأتُه في كتاب «الكويت وجاراتها» لمؤلفه المعتمد البريطاني في الكويت ديكسون. وقد جاء يزور الملك عبدالعزيز في قصره بالرياض حيث فوجئ بأن معظم محادثاته مع ابن سعود تدور حول قضية فلسطين. محذراً دولته بريطانيا القوة العالمية الكبرى وقتها قبل بروز أميركا بعد الحرب العالمية الثانية. من تشكيل اليهود لعصاباتهم الإرهابية التي بقرت بطون الحوامل في دير ياسين. بهدف التطهير العرقي في طريق الاستيلاء الكامل على فلسطين بعد طرد الفلسطينيين منها.
هذا الموقف هو ذاته الذي اتخذه الملك عبدالعزيز في اجتماعه مع تشرتشل رئيس وزراء بريطانيا في الفيوم المصرية. إثر اجتماع الملك الشهير مع الرئيس الأميركي روزفلت على الباخرة الأميركية في البحيرات المرة.
يذكر الوزير الأميركي المفوض «وليام ايدي» في جدة في وثيقته السرية إلى وزير خارجيته المؤرخة في 22 فبراير 1945م، وقد جاء يستوضح ما دار بين الملك عبدالعزيز وتشرتشل. بأن الأخير بدأ اجتماعه رافعاً عصاه الغليظة، مذكراً الملك عبدالعزيز بمساعدة بريطانيا له في أيامه الصعبة، مطالباً إياه بما لم يقبله موقف الملك عبدالعزيز الشريف كما يعبر، الذي أوضح لتشرتشل أن المطامع الصهيونية، سوف تريق الدماء وتنشر الفوضى في العالم العربي.
تنتهي الوثيقة الأميركية بأن تشرتشل أنزل عصاه بعدما لمسَ ثبات موقف الملك عبدالعزيز المبدئي، ليباغته بطلب وقف الهجرات اليهودية من أوروبا والعالم العربي إلى فلسطين.
هذا ما أورده محمد حسنين هيكل في كتابه ذي الأجزاء الثلاثة عن «المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل»، مما جعله وهو يخرج عن معهوده في معاداة المملكة بأن يختم حياته بتثمين موقف الملك عبدالعزيز القومي، في مقدمته الرائعة لكتاب الشيخ عبدالعزيز التويجري الوثائقي.
هذا وقد أصدرت دارة الملك عبدالعزيز منذ سنوات كتاباً وثائقياً آخر، عن مواقف المملكة في نصرة القضية الفلسطينية.. تمنيت لو تعيد الدارة اليوم نشره في أكثر من دار نشر عربية، ليتعرف المتحاملون المتأثرون بالإعلام القطري والإيراني والتركي، على حقيقة الموقف السعودي، وأن ما أشاعوه عن فرية صفقة القرن ليس سوى من صنع ترهاتهم، هذه التي فندها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في أحاديثه الأخيرة لوسائل الإعلام الأميركية المختلفة، وهو يتطابق مع ما أكد عليه إعلان الظهران في قمة القدس بالتركيز العربي على مركزية قضية فلسطين، وهوية القدس الشرقية العربية المحتلة إسرائيلياً عاصمةً لدولة فلسطين، وبطلان شرعية القرار الأميركي بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والرفض السعودي والعربي القاطع الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، حيث سيؤدي ذلك إلى تداعيات مؤثرة على استقرار الشرق الأوسط.
تماماً كما حذر من ذلك الملك عبدالعزيز في الوثائق البريطانية والأميركية قبل عقود.
ليعلم القاصي والداني عن حقيقة موقف المملكة كما عبر قائدها العربي سلمان بن عبدالعزيز.