في كامل العتاد
حباتٌ قليلةٌ من المطرِ فجرَ اليوم جرفتها الرياحُ لأرضِ غيرنا. انقضى الشتاءُ ونحن في السادس من نيسان ولم تمطر بعد!
يقول المثلُ الإنكليزي ”Die with your boots on“. خمسُ كلماتٍ من ثقافةٍ أخرى تحملُ أمراً لنا وتقول ”مت وأنت مرتدياً حذائك“. خلق اللهُ الأرضَ واكتشفَ الإنسان المسحاةَ يحرثُ أرضه ويأكل من زرعها ليس له يومَ إجازة أو مرضٍ أو يومَ غزل. لا يأخذ الزرعُ إجازة ونواميسُ الحياة تقولُ حركةٌ حركة. يتعبُ وينام، يجوعُ ويأكل. لا ينزع حذاءَ الحياة عنه إلا شخصٌ غيره يسجيهِ في آخرِ أغسالِ البشرِ على الأرض.
اكتشفَ الإنسانُ الصناعةَ والراحةَ والمال والحذاء اللين وصار يموتُ دون حذاء. يملك كبير الصناعيينَ المالَ ولكي لا يسلبه منه العمال يأمرهم أن يناموا يوماً أو يومين فيها يكبر المال ويزيد. اتقدت شعلةُ الراحةِ في الإنسان وأصبح له أيامَ إجازة وراحة من دخانِ المعامل والمصانع يعود فيها ليملأَ صندوقَ المال من جديد. في كل هذه المعاناة تأتي العاملَ أصواعٌ وأمدادٌ من الحنطة الرخيصة يخمرهَا بعرقه ويأكلها. ازداد أعدادُ البشر فلابد أن ينامَ البعضُ في أسِرَّة الراحة ويورثونَ الحذاءَ الذي يلبسه أبنائهم بعدهم.
حاك رئيسُ الصناعيين حيلةً ليحظى بطاقةٍ أكثر كفاءةً ويستمر في ملءِ أجران الحنطةِ ذهباً وقال لصاحب الشيبِ انزع الحذاء ونم. لمَ لا قال العامل ولكنه نزع الحذاءَ ونزع معه رداءَ الحياة. في خلايا البشر ذاكرةٌ فرديةٌ تطالبه بتكرارِ الأشياء ويمكن تدريبها بتغيير الطباع وهكذا صار راحة نفس المرء في نزع الحذاء باكراً ولا يحتاج أن يصرفه رئيس الصناعيين. يقضمُ في ساعاتٍ ما جمع في سني قوته ويكبر كرشه ثم يموت ويستريح رب العمل من طبابتهِ وما يصرف له من دراهم معدودات.
كاذبٌ من قال أن عليك نزعَ الحذاء. مت وأنت مرتديهِ وإن بليَ الحذاء ابتع سواه وهكذا تربح الحياة. قف طويلاً ربما لا يأتيك الموت. هل رأيت واقفاً يموت! كلُّ الناس يموتون في المنام. وتذكر المثل الآخر من ينبوعنا الذي يقول أن الحياةَ أزليةٌ ولا تنتهي عند صوت الناي، ربما يقول الرب عند الحساب هذا جاء عندنا واقفاً دعوه يستريح. اخلع نعليك فقط عندما تكون في حضرة الرب ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ خشوعاً وتذللا عندما تناجيه أن يمدك بالعون والمدد.
الأفكار جميلةٌ والكتب ممتعة والأعمال تقويك. كل شيءٍ جميل تقوم به وأنت مرتدياً حذائك. لا تنزع الحذاء ولا تمشي وفي يدك عكاز. أجسادنا البشر تتوقف عن صنع ما نعطيها من صنعنا. لاتعطيها الطاقةَ أو الدواء إلا فيما قل. حياتنا مثل النرد أينما نرميها يكون رقماً لا سالبةَ ولا صفراً فيه لكن احتمالات نردنَا لا متناهية وعلينا أن نكنس اللوح حتى لا يتكرر رقم النرد! وإن تكرر ففي الدنيا اليوم ملايينٌ من من البشر الفقراء يموتون في كامل عتادهم دون أن تهبهم الدنيا ساعةً من الراحةِ والسكونْ.