صحراء التيه
قامت قيامةُ البشر، أعطاني مَلَكِي بعضَ الأسئلة وقال خذ هذه الورقة واكتب. لا يمكنك الكذب أو تلصص الاجابةِ من جارك فأنت منظورٌ لدينا بالصوتِ والصورة. لا تحتاج إلى ضبط الصورة أو زر الإعمالِ أو كلمةَ السر، تقنيةٌ لم أرها في حياتي في الدنيا. عقائدَ ومذاهب ومعاملات وصغائرَ وكبائر وحقوقَ إنسانٍ وحيوان ولا مهرب من الجواب. رقصت شياطينُ الخوفِ أقزاماً وعمالقةً في عقلي وجاءَ صدى من الدنيا أن اقرأ الاسئلةَ كلها ثم ابدأ بأقلها صعوبة.
قرأتُ كل الأسئلة، كان فيها ثلاثَ مسائل ظننت أني لها. كانت أجوبةً تمرستُ بها كما تتمرس الضفادعُ بالنقيق. الثلاثة كانت في المال: بما استحققت ما أعطيناك، لماذا أعطيناك ما أعطيناك وماذا فعلت بما أعطيناك؟ وضعت يدي على جبهتي وبدأت الكتابة:
أنا عملتُ بطاقتي وأخذتُ بكل أسبابًِ الرزق ومشيتُ في مناكبِ الأرضِ في القيظِ والبرد وسألت الربَّ أن يعطيني فأعطاني. جاءت الإجابةُ بدائرةٍ حمراءَ مثلَ دمي بداخلها صِفرٌ وخُطَّ حولها "أكنت ترى الجوعاءَ والمضطهدين لم يعملوا ولم يسيروا في أرضِ الله وكثيرٌ منهم ماتوا ولم يذوقوا الطعام. أكنت ترى من لم يكن لهم ظِلاَّ إلا السماء وفراشاً إلا الأرض ما مجلت اياديهم بدينارٍ أو درهمَ كانوا يُصلونَ أن يدوم!
أجبتُ في الثانية أنني مخلوقٌ ضعيف وأنا لم يكن لي سببٌ إلا أنت، توجهتُ بالطلب منك واعطيتني. كان في قدرتك أن تحرمني وتَعدمني الحياةَ ولم تفعل. كانت دائرةٌ حمراءَ وعلامةَ تعجب "ألم يكن هذا حال كل من أعطيناه ومن منعناه. كلهم توجهوا من آمن ومن كفر. أعطينا البعضَ ومنعنا البعض!.
لابد أن تكون الدائرةُ خضراءَ في الثالثة. كتبتُ أنا أكلت وشربت وسافرت في أرضك الواسعة. ركبتُ ما ذللت وسكنت ما بنيت. صرفتُ القليلَ فيما أمرت والكثيرَ فيما بين الأمر والنهي. كانت حمراءَ وكتابة ”كنت كالبهيمةِ تأكل وتشرب وتسكن وتنام وما أعطيت إلا ما لم تحتاج إليه في معيشتك البهيمية“.
أنا في قوايَ كاملةً وفي صفاءِ الذهن هذا ما كتبت نفاقاً ولم ينفعني. كان أجدى لو قلتُ في كلها مجرمٌ تاهَ عن الطريق مَرَّ في الدنيا مثل ريحِ الأمسِ التي حملت مالا ينفع من المتاع. وعندما هدأت خربت زرع الأرض ونبتها. جئتُ مثل ملياراتِ البشر واختفينا كالطحالب. اعطيتني قدرةَ الملاكِ وقدرة الشيطان. كانَ في قدرةِ الملاكِ الطاعةَ التي لم اعملها وفي الشيطانِ الرغبةَ التي وردتها. الآن لا هذا ولا ذاك.
بُنَيَّ: في عمري يُرسمُ لك الطريق وتُكتبُ لك الأسئلة. لا تحتاج في معرفتك سوى جواباً لسوآلٍ واحد هو ”هل عندك جواب لما يسألك عنه الرب؟“. إن وجدت نفسك تعرف الجواب فلا تحتاج إلى معرفةٍ سواه وإن كنت لا تملك الجواب فأنت وأنا والكثير ضللنا الطريق ونحتاج حادياً ودليلاً يخرجنا من صحراءِ التيه.
بُنَيَّ: أعطاك اللهُ ما تحيا به وتُحيي به غيرك ولكنك قلت أنا هذا لي واحتزته لك دونَ سواك. حَفرتَ حُفَرَ الجوعِ والعري التي سقط فيها الكثير واكتنزتَ جبالَ المالِ التي لم يبلغ ذراها إلا القليل. خذ مما أعطاك الرب ما تحتاج واعطه ما يرده إليك في يومٍ تسخر من قيمةِ أعمالك.