عين «العودة» عبق من التراث
عين العودة التي كانت واقعة بين جنات من النخيل الباسقات في جزيرة تاروت، هذه الجزيرة التي تختلط فيها معطيات تاريخ آلاف السنين في واحة تغفو على أطراف القلعة التاريخية في المنطقة القديمة «الديرة» بجزيرة تاروت، والتي تضم أكثر من ألف نسمة.
في الماضي كان الناس في جزيرة تاروت يعتمدون على مجموعة من العيون والينابيع الطبيعية لمياه الشرب وطهي الطعام والاستحمام وغسل الملابس وسقي المزارع والبساتين، هذه العيون جعلت جزيرة تاروت واحة من البساتين يقصدها كل سكان الجزيرة بحثاً عن الراحة والاستجمام، كما يقصدها التجار من الدول المجاورة مثل دولة الكويت ودولة قطر لاستيراد التمور منها، وللأسف فإن تلك العيون جفت أو تحولت إلى برك مهملة اليوم!
تقع عين العودة في وسط جزيرة تاروت على أطراف قلعة تاروت التاريخية، ويحدها من الغرب بساتين النخيل ومن الشرق الديرة ومن الشمال سوق تاروت ومن الجنوب بعض البيوت وبساتين النخيل، وهي اليوم واجهة سياحية لوجودها على أطراف قلعة تاروت التاريخية والمناطق القديمة «الديرة».
إن عين العودة عميقة جداً ومصدر مياهها الطبيعية تمر عبر صخرة من الحجر الصوان تقع في وسطها الشرقي وبها فتحات ينبع منها الماء وتسمى المشخال نسبة لشكلها الذي يشبه إناء المشخال، ومنذ القدم حتى نضوبها كانت مخصصة للنساء والصبية دون سن البلوغ، ولم يذكر لنا التاريخ مَن مِن الشعوب التي استوطنت جزيرة تاروت عملت على حفر هذه العين.
المشخال مزوّد بواقٍ من الحديد غير قابل للصدأ يحمي فتحاته من الترسبات الرملية أو الأوساخ، ويقال أن شركة أرامكو قديما أرسلت بعثة من الغواصين واقتلعوا الواقي الذي تسبب في تقليل منسوب دفع الماء تدريجياً، كما يقال أن هناك كهوفاً مائيةً تتصل ببعض المنازل في الديرة، ولهذا بعضها يوجد فيها آبار ولا تزال آثارها موجوده إلى الآن، وتتأثر العين بحركة المد والجزر فإذا وقع المد ارتفع منسوب مياه آبار المنازل والعكس بالعكس.
في واحة عين العودة يوجد مكان يسمى «الأرملي» وهو مكان أقل غزارة من وسط العين يتواجد فيه من لا يجيد السباحة وكذلك مكان يسمى «الحلقوم» في الجهة المقابلة، كما توجد عيون مياه رئيسية منها عين العوينة التي لا تزال آثارها قائمة إلى اليوم، وعين هرهر التي كان الأهالي يستعملون مياهها للشرب.
إن مياه عين العودة عذبة نسبيا وصالحة للشرب، وليست كبريتية كما يظن بعض الناس، ولذلك في زمن الغوص كانت ترسو المئات من مراكب البحر من كل أقطار الخليج عند ساحل الرفيعة، فينزل البحارة حاملين قِرَبَهُمْ ومتجهين نحو العين، فتخلى العين من النساء ليتسنى لهم ملء القرب من مياهها الصافية العذبة.
حالات الغرق تتكرر في كل عام ويفجع الأهالي بفقد واحدة من عرائسهن غرقا فيها، وبسبب الجهل السائد بين الناس بحقائق الأمور شاع بينهم أن دعيدعة العين «الجنية» تسكن العين وتأخذ كل سنة فتاة إنتقاماً لما تقوم به النسوة من أَذًى وإزعاج للجنية ولأبنائها، وقد سطرت ورويت القصص والخرافات في هذا الشأن.
ومن أهم العيون في جزيرة تاروت التي كانت في البساتين وتسقي النخيل وأشجار التين والرمان واللوز وغيرها هي: عين أم عريش، وعين سماوة، وعين الجشي، وعين الصادق، وعين الخظاري، وعين الخضر، وعين البقعاوي، وعين الجنوبي، وعين الكويتي، وعين الصفار، وعين البدرية، وعين الدحكاني، وعيون الوزارة، وعين أم الفرسان.
قد يسأل الجيل الجديد من الناس عمّن دمر الطبيعة وقضى على آلاف الأنواع من الأحياء البحرية، ومن تسبب في تهجير كثيرٍ من الطيور كانت تطربنا بألحانها كل صباح، وعمّن تسبب بجفاف الأنهار، وانقراض غابات المنجروف من سواحلنا، ومخلوقات كثيرة كانت تعيش على أرضنا..!! فماذا نجيب؟