آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

بيادق

كي تفوز في لعبة الشطرنج عليك أن تقرأ ما يفكر فيه خصمك وتستبقَ حركته بحركةٍ مضادة. رقعة الشطرنج تحوي 64 مربعاً، كيف إذا كانت رقعة الشطرنج بحجم الدنيا وأنت فيها بيدقٌ صغير وخصمك القدر من وراءهِ قوةٌ لا متناهية ولا تكشف عن أسرارها! ليست لك فرصةٌ بالنجاة إلا ما يُسمح لك به من نقلة.

بعض النقلات توافق مداركنا البشرية، يولد المرء، يشب ويعمل ويكدح ويشيب ثم يُطلب منه السفر إلى الضفة الاخرى من العالم، يسبق الأب والأم إبنه والكبيرُ الصغيرَ. يعمل الإنسان ويكسب ويعيش حراً من منن البشر على أرضه وتحت سماءه.  وبعض حركات القطع كأنها تحركها ريحُ الشمال لا تدري متى تهب وماذا تحمل، تتعثر في أوتادِ الحياة واحداً تلوَ الآخر. تفتح صفحة الأنباء وتطالع صورةً تعرفها ولم تحسب أن تراها هناك في تلك اللحظة، شمل التمَّ في الصباح وتفرق في المساء.

يوم كانت القرية قريةً وأهلها قلة كانت أنباءُ ما تفعله لوحةُ الشطرنج بمن عليها من الشاه إلى البيدق تسري بطيئةً.  قربَ الإنسانُ أطراف الرقعةِ وصار أقرب إلى الحدث من وقوعه وصدى حركات القطع على اللوحة أحدَّ وأعلى.

تطلبُ منا البشر تلك القوةُ اللامحدودة أن نرجوها في محطاتٍ يومية وشهرية، في هيجانِ العاصفة وسكونها أن تخفف عنا أوجاعَ النقلةِ القاسية  التي تسحقنا وتلك القوة تستجيب لنا نحن الضعفاء. هي تعرف ضعف مداركنا وتدسَّ لنا أوراقاً وأسراراً نتلوها في أوقات اليأسِ والظن بأن شاهَ لعبتنا قد مات.

في هذه الأيام والأشهر نرفع مطالبنا لتلك القوة ونقول خسرنا جولاتٍ ونعجز عن الفوز فهلا أرسلتِ لنا ورقةَ الغش التي فيها خطط وتعاليم الفوز في رقعة الحياة كلها. يا أيتها القوة مسنا وأهلنا الضر ولا نملك حتى بضاعةً مزجاة نساوم بها ونشتري المدد والعون. استوفِ لنا الكيل نحن أخوةُ يوسف الذين رموه في غيابات الجب ولم يعد بيننا ليصفح عنا. غاب عنا برد الروح واصطلينا بالنارِ في قائلة القيظ.

ربنا نحن البشر بيادقُ ضعيفة في خنادقَ عميقة من الضعفِ لا نرى سلم الرقي إلى جبالِ القوة إلا أن تدلي لنا حبالَ النجاة. ثلاثةٌ أنا اصدقهم  أنتَ والرسل والأم وقد سمعت من أمي يوم كنت صغيراً إنَّ لكلِّ ضعفٍ لطف. أيها الرب: نحن الضعفاء نغتر بعقلٍ صغير وهبتنا إياه ونظن أننا ملكنا كل مفاتيح الحكمة والقدرة الذاتية. نشط في بحار التيه عن طلب الغوث إلا عندما تتكسر الواح سفننا في عرض محيط الحياة، حينها نذكرك.

أيها البيدق:  تحرك في رقعة الشطرنج واطمئن أن هناك قوة تنظر إليك من الأعلى، إن سمحت لك بتحريك قطعك فاغتنم الفرصة واربح، وإن وضعت يدها على يدكَ ومنعتك الفوز، افتح أسرار الرجاء وتلطفهَا ألا تقسو. إن كان لاهذا ولا ذاك، كفكف دموعك واصبر وسلم فما أنت إلا بيدق...

مستشار أعلى هندسة بترول