آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

ثقافة الكراهية في نفوسنا

عباس سالم

قال تعالى: «وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ».

أكثر ما يحزنك من الناس في المجتمع هو إصدار الأحكام والتهم على بَعضنَا البعض، حتى مراجعنا العظام أطال الله في أعمار الموجودين ورحم الله من رحل عنا لم نستثنهم بل أدخلناهم في خلافاتنا، ومن هنا تبدأ شرارة الكراهية ويبدأ هذا يكره ذاك والأخ يهجر أخاه وفلان لا يكلم علاَّناً وهكذا.

يصاب الإنسان بالامتعاض مما يراه ويسمعه من حالات مرضية نفسية تحدث في المجتمع، ولا نعرف ماذا حل بهذا المجتمع؟ فالخلافات العائلية والفردية بدأت تزداد فيه! وصار الأخ يهجر أخاه، والصديق يكن الحقد والكراهية لصديقه، والعنف الأُسَري والاعتداء الجنسي بدأ يظهر في المجتمع المحافظ! كل ذلك بسبب ابتعادنا عن الدين وضعف الوازع الديني والأخلاقي لدى الكثير من الناس في المجتمع.

إن الأحكام التي نصدرها على الآخرين قد تكون ظلماً منا لهم، فهذه التهم والأحكام التي بيننا هي شر من شرور النفس الأمارة بالسوء، وكأننا لسنا عبيداً لله وحده بل عبيداً لقلوبنا المريضة بكره وظلم الناس، لذلك يجب علينا أن نتعامل مع بَعضنَا لإنسانيتنا كوننا بشراً، فلا فرق بين أسود وأبيض ولا بين فقير وغني فمرجع العباد لله وحده.

إن سوء الظن بالآخرين هو أمر إن أخطأت فيه تأثم وإن أصبت فيه لا تؤجر، وفي كلتا الحالتين يضيق صدرك، فالإنسان الكبير يعترف بأخطائه، والإنسان القوي يصحح أخطاءه، والإنسان الذكي يستفيد من أخطائه، والإنسان العاقل يفعل كل ذلك، فمسيرة الحياة مستمرة لن يوقفها سوء ظنك بالآخرين ولكنك سوف توقف عمرك بذلك، فعش حياتك ودع الخلق للخالق.

إن نظرة الناس لك ستكون مختلفة، فهناك من يراك سيئاً، وهناك من يراك جيداً، وآخر يراك رائعاً، وذاك لا يراك، فالله تعالى هو الواحد الذي يراك على حقيقتك، فدعك من البشر وما يظنونه عنك فلن يقدموا ولن يؤخروا ولن يخفضوا ولن يرفعوا، واهتم لمن هو عالم بسرك قبل الجهر به وبيده كل شيء، فالإنسان لا يمكن أن يرى صورته في الماء المغلي وكذلك لا يمكن أن ترى الحقائق وأنت غاضب بل انتظر حتى تهدأ ثم اعْطِ قرارك كي لا تندم.

إن الإبتعاد عن المشاكل والصفح عمَّن أساء إليك لا يعني ضعفك بل يعني أنك أكثر قدرة على الاستمتاع بحياتك، فعندما تصفح فأنت لا تغير الماضي بل أنت تغير المستقبل! وبهذا سوف تعرف أن الاحترام أهم من الحب، والتفاهم أهم من التناسب، والثقة أهم من الغيرة، والصبر أعظم دليل على التضحية، فليس المطلوب أن يكون في جيبك «مصحف» ولكن المطلوب أن تكون في أخلاقك «آية».

إن سرعة الأيام مخيفة!! ما إن أضع رأسي على الوسادة إلا ويشرق نور الفجر، وما إن استيقظ إلا ويحين موعد النوم، تسير أيامنا ولا تتوقف وأقول في نفسي حقاً أن السعيد من ملأ صحيفته بالصالحات، وبالابتعاد عن المشاكل والصفح عمَّن أساء إليك، وإن الأحداث تتسارع من حولنا، والأموات يتسابقون أمامنا فاتعظوا، اعملوا صالحا، ألقوا السلام، وابتسموا للناس، ورددوا مع الأذان، وحافظوا على الصلوات، وحصنوا أنفسكم، وصِلوا الأرحام، وحافظوا على من يحبونكم بصدق، واحفظوا شيئاً مِن القرآن الكريم.. تصدقوا - سبّحوا - استغفروا - كبروا - صُوموا - صلوا على النبي وآله وعلقوا قلوبكم بالآخرة فالدنيا لا تدوم على حال ولن تخلدوا فيها.

فحقيقة الأمر: «إِنَّ إِلَى? رَبِّكَ الرُّجْعَى?» وتذكروا أن الأخلاق هي الروح التي لا تموت بعد الرحيل.

نراكم على خير